الثلاثاء، 29 أبريل 2025

كتم العلم للمصلحة

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} :


"إذا رأى من المصلحة ألّا يبيّن فلا بأس أن يكتم؛ كما جاء في حديث علي بن أبي طالب: (حدّثوا الناس بما يعرفون أتُحِبّون أن يكذب الله ورسوله؟!) وقال ابن مسعود: (إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) فإذا رأيت من المصلحة ألّا تبيّن فلا تبيّن ولا لوم عليك". اهـ

تفسير سورة البقرة ١ / ١٥٤


وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في المسائل بعد حديث معاذ في الصحيحين (لا تبشّرهم فيتّكلوا)، قال:

"السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة".


قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح:

"كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص، لا على سبيل الإطلاق، فجائز للمصلحة، كما كتم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عن بقية الصحابة؛ خشيةَ أنْ يتّكلوا عليه، وقال لمعاذ: (لا تبشّرهم فيتّكلوا)... بل قد تقتضي المصلحة ترْكَ العمل وإنْ كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدم الكعبة ويَبْنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترَكَ ذلك خشية افتتان الناس لأنهم حدِيثُو عهدٍ بكُفر".


📚 القول المفيد ١ / ٥٥


وقال العلّامة صالح الفوزان كما في إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ١ / ٥٠: 

"..وأخبر به معاذاً، لأن معاذاً من الجهابذة، ومن خواص العلماء، فدلَّ على أنه يجوز كتمان العلم للمصلحة، إذا كان يترتب على إيضاح بعض المسائل للناس محذور: بأن يفهموا خطأً، أو يَتَّكِلوا على ما سمعوا، فإنهم لا يُخبَرون بذلك، وإنما تلقى هذه المسائل على خواص العلماء الذين لا يُخشى منهم الوقوع في المحذور، فأخذ العلماء من هذا الحديث جواز كتمان العلم للمصلحة، وإنما أخبر معاذ رضي الله عنه بهذا الحديث عند وفاته، خشية أن يموت وعنده شيء من الأحاديث لم يبلِّغه للناس، كما في حديث علي رضي الله عنه: "حدِثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله"، يعني: لا يُلقى على كل الناس بعض المسائل التي فيها أمور يَخفى عليهم معناها، أو تشوِّش عليهم، وإنما يُلقى على الناس ما يفهمونه، ويستفيدون منه، أما نوادر المسائل، وخواص المسائل، فهذه تلقى على طلبة العلم، والمتفقهين المتمكِّنين، وهذا من الحكمة ووضع الشيء في موضعه، لمّا تكون أمام عُصاة يشربون الخمور، ويزنون، ويسرقون، وتقول: الله غفور رحيم، الله قريب مجيب، الله سبحانه وتعالى يغفر ويسمح، فيزيدون في الشرور، لكن حين تقول لهم: اتقوا الله، الله سبحانه وتعالى توعّد الزناة بالعذاب وتوعّد على السرقة، وعلى المعاصي بالعذاب الشديد، فتذكر لهم نصوص الوعيد، من أجل التوبة، ولو أتيت عند متمسِّكين وطيبين فذكرت لهم آيات الوعيد، فهذا ربما يزيدهم وسواساً، أو تشدّداً، فأنت تذكر لهم آيات التيسير، وأحاديث التيسير، والتسهيل، والرحمة، الفرج، إلى غير ذلك، من أجل أن لا يزيدوا ويشتدوا ويغلوا، فكل مقام له مقال، وتوضع الأمور في مواضعها، هذا هو الميزان الصحيح، والناس ليسوا على حد سواء، كل يخاطب بما يستفيد منه ولا يتضرر به، فلا تأتي بآيات الوعد والرجاء عند المتساهلين، ولا تأتي بآيات الوعيد عند المتشددّين، بل تكون كالطبيب تضع الدواء في موضعه المناسب، هكذا يكون طالب العلم، إذا كانت هناك أمور غامضة لا يعرفها العوام، ولا تتسع لها عقولهم، من المسائل العلمية، فلا تُلقى على العوام، وإنما تُلقى على طلبة العلم، وعلى الناس الذين يستوعبونها، ولهذا يقول ابن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلاَّ كان لبعضهم فتنة" وقال علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".". اهـ

الأربعاء، 23 أبريل 2025

فائدة مهمة جدًّا لطلاب العلم

عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟!".

رواه البخاري في صحيحه.


قال العلّامة صالح الفوزان -حفظه الله-:

"يخاطِب العلماء، ويقول لهم: (حدِّثوا النّاس بما يعرفون) أي: تكلّموا عندهم بما يعرفون، أي: بما لا تَستنكِرُه عقولهم، بل حدِّثوهم بما تتحمّله عقولهم، وتُدرِكُه أفهامُهم، ولا تُسْمِعُوهم شيئاً لا يَفهمون معناه أو يجهلونه فيُبَادِرُون إلى تكذيبه فتُوقِعُونهم في الحَرَج.

وكأنّه قال هذه المقالة لَمّا كَثُر القُصّاص في وقته، وهم: الوُعّاظ. والوُعّاظ يحرِصون على أنْ يخوِّفوا الناس، فيَذْكُرون لهم كلّ ما قرأوا أو سمِعُوا من الأخبار والأحاديث، سواءً كانت صحيحة أو غير صحيحة، وسواء كان النّاس يفهمونها أو لا يفهمونها، وهذا أمرٌ لا يجوز.

فالحاضرون يحدَّثون بما تتحمّلُه عقولهم، ربما ينفعُهم، أمّا ذِكر الأشياء التي تشوِّش عليهم -وقد تحمِل بعضَهم على التكذيب- فهذا أمرٌ محرَّم، فينبغي للقاص والواعظ والخطيب والمتحدِّث أنْ يراعِيَ أحوال السامعين، فيتكلّم معهم بما يُناسِب حالهم: إنْ كان يتكلّم في وسط علماء يتكلّم بالكلام اللاّئق بأهل العلم، وإن كان يتكلّم في وسط عوام فيتكلّم بما يناسبهم وبما تتحملّه عقولهم، ويحرص على ما ينفعهم أيضاً، ويعلِّمهم أُمور دينهم: أمور عقيدتهم وصلاتهم، وأُمور عبادتهم، ويحذّرهم من المعاصي ومن المحرّمات، ولا يدخُل في المواضيع العلميّة البعيدة عن أفهام العوامّ.

وهذه حكمةٌ عظيمة من أمير المؤمنين رضي الله عنه: أنه أمَرَ أن يُراعَى أحوال الحاضرين وأحوال السّامعين، فيحدَّثون بما يتناسب مع مستواهم العلميّ.

ويا ليت المتحدِّثين في وقتنا هذا والخُطباء يمشون على هذا النّظام وهذه القاعدة التي قالها أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

فهذه قاعدة للمتحدِّثين في كل وقت: أنّ المتحدِّث يراعِي أحوالَ السّامعين: إنْ كان في وسطٍ علمي يتحدّث بما يناسِبه، وإن كان في وسط عامِّي يتحدّث بما يناسبه، وإنْ كان في وسط مختَلِط من العلماء ومن الجُهّال ومن العوام فإنه يلاحظ الواقع، فيتحدّث بحديث يستفيدُ منه الحاضرون ويفْهمونه من أمور دينهم، ويدرَّسون العقائد والعلوم شيئاً فشيئاً حتى تتسع لها عقولهم، وتتقبلها أفهامهم".


📚 إعانة المستفيد ٢ / ١٤٢ - ١٤٣

الأربعاء، 16 أبريل 2025

الحذر من اعتياد الانتقام وعدم الصبر على الظلم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

‏"مَنِ اعتادَ الانتقام ولم يَصبِر لابُد أنْ يقع في الظلم؛ فإنّ النفس لا تقتصر على قَدْر العدل الواجب لها، لا عِلمًا ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق؛ فإنّ الغضبَ يَخرُجُ بصاحبه إلى حدٍّ لا يَعقِلُ ما يقول وما يفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعِز، إذِ انقلَبَ ظالمًا ينتظر المَقت والعقوبة!".

قاعدة في الصبر ص١٠٢

الجمعة، 4 أبريل 2025

(ما في قلب أخيك لك مثل الذي في قلبك له) أثر ضعيف سندًا ومتنًا

 أثر ابن مسعود: (لا تسأل الرجل عما في قلبه لك، ولكن انظر ما في قلبك له، فإن لك في قلبه مثل ذلك)

رواه البيهقي (٨٦٢٣) بسند منقطع عن ابن مسعود

والواقع يشهد بأن هناك كما يقال حبًّا من طرف واحد

بل وقد يفتح باب شر وذلك إذا وسوس الشيطان للإنسان وأوقع في نفسه شرًّا على أخيه ظنَّ الإنسان بأن ما في قلب أخيه مثل الذي في قلبه!

فالمتن فيه نكارة والسند ضعيف

والله أعلم

الثلاثاء، 1 أبريل 2025

حب الظهور داء قاتل

قال العلّامة الألباني -رحمه الله-: "من الأخلاق الأساسية التي يجب أنْ يتّصف بها الداعية المسلم: التواضع والبُعد عن حب الظهور والتفاخر والادّعاء؛ فإنّ هذه أدواء قاتلة تجرّد الساعي إليها والحريص عليها من أهلية الدعوة، وتُفْقِدُه سلاحًا ماضِيًا للنصر على أعدائها، وتجعل عمله هباءً منثورًا، والعياذ بالله، فاللهم عِصمتك وهُداك".

📚 التوسل أنواعه وأحكامه ص٩١