الجمعة، 3 أكتوبر 2025

فضل الفقه في الدين ومعناه

 عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما، قال: سمعتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يقول:


"مَنْ يُرِدِ اللهُ بِهِ خيرًا يُفَقِّهْهُ في الدين".


متَّفَقٌ عليه.


➖قال العلّامة ابن عثيمين-رحمه الله-: "(يفقّهه في الدين) أي: يجعله فقيهًا في دين الله -عز وجل-، والفقه في الدين ليس المقصود به فقه الأحكام العمليّة المخصوصة عند أهل العلم بعلم الفقه فقط، ولكن المقصود به هو علم التوحيد وأصول الدين وما يتعلّق بشريعة الله عز وجل".


📚 مجموع الفتاوى والرسائل ٢٦ / ٢٤

الخميس، 25 سبتمبر 2025

رد على الددو في تنقّصه للدين

بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين،

ردًّا على ما زعمه محمد الددو من أنّ النبي ﷺ مات ولم يبيّن للأمة طريقة اختيار الحاكم ومحاسبته وعزله وأنّ هذا يُعتبر من النكبات على الأمة!!

أقول وبالله أستعين: إنّ هذا كلام خطير وعظيم فإنه يتضمن الطعن في الدين واتّهامه بالنقص ويتضمن إضلال الناس عن الصراط المستقيم فإنّ نبيّنا ﷺ قد مات وقد بلّغ الرسالة وأدّى الأمانة ونصح الأمة وتركها على البيضاء ليلها كنهارها لا يزِيغُ عنها بعده إلّا هالك كما قال عليه الصلاة والسلام

وديننا واضح جدًّا في مسألة الإمامة واستفاضت النصوص الشرعية في وجوب السمع والطاعة لِمَنْ ولّاهُ اللهُ على المسلمين سواء باختيارهم له أو بغلبته عليهم، حتى قال رسول الله ﷺ كما في الصحيح: (مَنْ خَلَعَ يدًا من طاعة لقِيَ اللهَ يومَ القيامة لا حُجَّةَ له) قال أبو العباس القرطبي: لا حُجّة له لأنّ النبي ﷺ أبْلَغَه بوجوب السمع والطاعة لأولي الأمر وذلك في الكتاب والسنّة. [يُنظر: المُفْهِم ٤ / ٦٢]

لكن الددو لا يعجبه ذلك فرأى الدين ناقصًا لأنه يريد ما يوافق هوَاه من مقارعة الحكام المسلمين ومحاسبتهم على طريقة الخوارج الثوريين وطريقة الغربيين الضائعين، وقد بيَّنَ لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم بأنّ الحاكم يُسْمَع وله ويُطاع في غير معصية الله ولا يُخرج عليه ما دام أنه مسلم يُقِيم الصلاة في المسلمين وأنّ النصيحة له تكون في السر وأنّ أعظم الجهاد كلمة حق عند سلطانٍ جائر، وكلمة (عند) ظرف مكان يعني: في حضرته، لا بالغيبة والإثارة

فديننا واضح جدًّا في هذا الباب العظيم، واللهُ يؤتي مُلْكَهُ من يشاء كما قالت أمّنا عائشة لمّا قِيلَ لها أنّ فلانًا بُويِعَ له وفي الأمّة مَنْ هو خيرٌ منه، قالت: (يا بني لا تَعجب، هو مُلْكُ اللهِ يُؤتِيهِ مَنْ يشاء) [رواه ابن أبي شيبة بسند صحيح]، ولكن هذا كله لا يتوافق مع ما يريده الددو وحزبه من الخروج على الحكام وأخذ السلطة منهم فزيّن لهم الشيطانُ أعمالهم وصدّهم عن السبيل بسبب اتّباعهم للهوى وعدم تحكيمهم للشرع، وقد قال سبحانه وتعالى: {فلا وربِّكَ لا يؤمنون حتى يحكِّمُوكَ فيما شَجَرَ بينَهُم ثم لا يَجِدُوا في أنفسِهِم حَرَجًا ممّا قضَيْتَ ويسلِّمُوا تسْليمًا} فاللهم اهدنا وثبّتنا على دينك واكفِ المسلمين شرَّ مَنْ يدعوهم إلى معصيتك ويَصُدُّهم عن سبيلك

وقد صحّ عن التابعي الإمام ابن سيرين رحمه الله بأنّه كان يرى بأنّ أهلَ الأهواءِ أسْرَعُ الناسِ رِدّة، والعياذُ بالله، فالحذر الحذر من اتّباع الهوى، والمؤمنُ إنما يقول: {سمِعنا وأطعنا غفرانَكَ ربَّنا وإليكَ المصير}.

ولا يُستغرب دفاع دعاة الإخوان عنه بدلًا من الأخذ على يديه؛ فإنّ الشيخ الألباني قد قالها بصريح العبارة (الإخوان يحاربون السنّة)، وسمّاهم الشيخ حامد الفقي رحمه الله: (خُوّان المسلمين)، واللهُ المستعان والهادي إلى سواء السبيل، وصلّى اللهُ على نبيّنا محمد وآله وسلَّم.

الثلاثاء، 16 سبتمبر 2025

طلب العلم عبادة ومن أفضل العبادات

قال العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-:

"طلب العلم عبادة ومن أفضل العبادات، حتى قال إمام أهل السنّة أحمد بن حنبل رحمه الله وجمعنا به في جنته قال رحمه الله: (العلم لا يَعدِلُه شيءٌ لمن صحّت نِيَّتُه). 

فهو أفضل من السنن الراتبة، وأفضل من الوتر، وأفضل من قيام الليل، قال الإمام أحمد: (تذَاكُرُ ليلةٍ أحَبُّ إِلَيَّ من إحيائها).

استمع يا أخي، شوف الفقهاء العلماء! تذاكُر ليلة، يعني في طلب العلم، أحب إليّ من إحيائها بالصلاة".

📻 اللقاء الشهري ٤٢ ب

الاثنين، 15 سبتمبر 2025

النصر من الله للأمّة

النصر من الله للأمة

أساسه: نَصرُها لِدِينه

بالعمل به والدعوة إليه

قال سبحانه: {ولَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُه}

وقال سبحانه: {إنْ تَنْصُروا اللهَ ينصُرْكُم}

وقال سبحانه: {وما النصرُ إلّا من عندِ الله}

وقال: {إنْ يَنصُرْكم اللهُ فلا غالبَ لكم وإنْ يخْذُلْكُم فمَنْ ذا الّذي ينصُرُكُم مِنْ بعدِه وعلى الله فلْيتوَكَّلِ المؤمنون}

وقال عزّ وجلّ: {ويومَ حُنَيْنٍ إذْ أعجبتكم كثرَتُكُم فلم تُغْنِ عنكم شيئًا وضاقتْ عليكُم الأرضُ بما رَحُبَت ثمّ ولّيتُم مدبِرِين}

فلن يُفِيدَ الناسَ عددٌ ولا عُدّة إذا لم يتوكّلوا على ربهم وينصرهم ربُّ العِزّة 

فالواجب الاعتناء بالتوحيد والإيمان والاتّباع والرغبة في الآخرة والزهد في الدنيا، وهو الأساس لِمَا بعده، وبه يحصل التوفيق، ومنه يُعمل بجِدٍّ واجتهاد وتُعَد العُدّة للأعداء كما أمَرَ الله؛ فإنَّا كما قال عمر: (كنّا أذَلَّ قومٍ فأعَزَّنَا اللهُ بالإسلام، فمهما ابْتَغَيْنا العِزَّ بغيرِ ما أعزَّنَا اللهُ به: أذَلَّنَا الله) وهو أثرٌ صحيح.

وقد قال رسولنا ﷺ: (...سلّط اللهُ عليكم ذُلًّا لا يَنْزِعُه حتى تَرجِعُوا إلى دِينِكُم). وفي الحديث الآخر أننا نكون غُثاءً كغثاء السيل إذا كان في قلوبنا: (حب الدنيا وكراهية الموت).

اللهم أصلح حالنا ويسّر أمورنا وأعنّا على طاعتك يا رب العالمين

السبت، 13 سبتمبر 2025

الضابط النافع في أمر الخلطة

 قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله-:

"والضابط النافع في أمر الخلطة: أنْ يخالط الناس في الخير كالجمعة والجماعات والأعياد والحج وتعليم العلم والجهاد والنصيحة.

ويعتزلهم في الشّرِّ وفضول المباحات.

فإذا دعت الحاجة إلى خلطتهم في الشرِّ ولم يُمكنه اعتزالهم فالحذرَ الحذرَ أنْ يوافقهم، وليصبر على أذاهم، فإنّهم لا بد أنْ يؤذوه إن لم يكن له قوة ولا ناصر، ولكن أذًى يعقبه عزٌّ ومحبَّة له وتعظيم، وثناءٌ عليه منهم ومن المؤمنين ومن ربِّ العالمين. وموافقتهم يعقبها ذلٌّ وبغضٌ له ومقتٌ، وذمٌّ منهم ومن المؤمنين ومن ربِّ العالمين، فالصبر على أذاهم خير وأحسنُ عاقبةً وأحمدُ مآلًا.

وإن دعت الحاجة إلى خلطتهم في فضول المباحات، فليجتهد أن يقلب ذلك المجلس طاعةً لله إن أمكنه، ويشجِّع نفسه ويقوِّي قلبه، ولا يلتفت إلى الوارد الشيطاني القاطعِ له عن ذلك بأنّ هذا رياء ومحبة لإظهار عِلمك وحالك، ونحو ذلك، فلْيحاربه وليستعن بالله تعالى ويؤثّر فيهم من الخير ما أمْكَنه. فإن عجَّزته المقادير عن ذلك، فليَسُلَّ قلبه من بينهم كسَلِّ الشعرة من العجين، وليكن فيهم حاضرًا غائبًا، قريبًا بعيدًا، نائمًا يقظانَ، ينظر إليهم ولا يبصرهم، ويسمع كلامهم ولا يعيه، لأنَّه قد أخذ قلبه من بينهم، ورقي به إلى الملأ الأعلى، يسبِّح حول العرش مع الأرواح العُلويَّة الزاكيَّة.

وما أصعبَ هذا وأشقَّه على النُّفوس، وإنَّه ليسير على من يسَّره الله عليه، فبين العبد وبينه أن يَصدُقَ اللهَ ويديم اللَّجأ إليه، ويُلقي نفسه على بابه طريحًا ذليلًا.

ولا يعين على هذا إلّا المحبَّةُ الصادقة والذِّكر الدّائم بالقلب واللِّسان، وتجنُّبُ المفسدات الأربعة الباقية الآتي ذِكْرُها، ولا ينال هذا إلَّا بعُدَّةٍ صالحةٍ ومادّةٍ قويّةٍ من الله، وعزيمةٍ صادقة، وفراغٍ من التّعَلُّق بغير الله".

📚 مدارج السالكين ٢ / ٩٠ - ٩٢

فتوى نفيسة في الاستماع إلى الأناشيد

 ما حكم الاستماع إلى الأناشيد التي ليس فيها موسيقى ولكنها بأصوات جميلة جذّابة وتشبه ألحان الغناء الهابط؟


قال العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-:


"نرَى ألّا يُستمع إلى مِثل هذا لِمَا فيه من الفتنة والتشبه بألحان الغناء الماجن، وخيرٌ من ذلك أنْ يستمع الإنسان إلى مواعظ نافعة مأخوذة من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والأئمة من أهل العلم والدين؛ فإنّ في ذلك غِنًى وكفاية عمّا سِواه.

والإنسان إذا اعتادَ ألّا يتّعِظ إلّا بشيءٍ معيّن كألحان الغناء فإنه ربما لا يَنتفع بالمواعظ الأخرى؛ لأنّ نفسه أَلِفَتْ ألّا تتّعظ إلا بهذا الشكل من المواعظ، وهذا خطير يؤدّي إلى الزُّهد بموعظة القرآن الكريم والسنّة النبوية وأقوال أهل العلم والأئمة.

فالذي أنصح به أنْ يتجه الإنسان إلى استماع ما ذَكَرتُه من المواعظ التي تشتمل على كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وأقوال الصحابة وأئمة المسلمين مِن بعدهم".


📻 فتاوى نور على الدرب ٢٥٨ ب

الخميس، 11 سبتمبر 2025

حماس وحديث حذيفة رضي الله عنه

لمّا بعث النبيُّ ﷺ حذيفةَ رضي الله عنه ليأتيه بخبر العدو، قال له: (ولا تَذْعَرْهُم عَلَيَّ) يعني لا تحرّكهم عَلَيّ، وامتنع حذيفة من أجل ذلك من رمي أحد قادتهم بسهمه مع أنه كان قادرًا عليه. [رواه مسلم في صحيحه (١٧٨٨)]

فالصبر وعدم تهييج العدو وتحريكِه إلى ما يضر المسلمين: سبيلٌ شرعي واضح، فمن يقول أنّ تهييج اليهود بما يسمى (طوفان الأقصى) لم يكن سببًا لِمَا نراه من كوارث هو كاذب ومخالف للشرع والعقل، ولا شك أنّ تلك العملية جرّت هذه الويلات وأعطتهم المبررات، وقد سبق للإمام الألباني رحمه الله أنْ حذَّرَ ممّا تفعله حماس وغيرها من تهييج للصهاينة ومخالفة للشرع في أمور الجهاد. أقول هذا بيانًا للحق وردًّا على ما يُبَث بين المسلمين من الباطل والتحريف لأحكام الجهاد. نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين وأنْ يعين إخواننا المستضعفين في كل مكان.

وقد قال العلّامة ابن عثيمين في حديث حذيفة المذكور أعلاه: "ليس الجهاد هو التهور وأنّ الإنسان ينفعل ويتقدَّم في موضع قد يكون ممّا يُنهى عن التقدم فيه، وفي ظنّي والله أعلم أنه لو وقع مِثلُ هذا في كثيرٍ من شُبّاننا اليوم لقتله ثم تأوَّل!".

التعليق على صحيح مسلم ٩ / ١٥١

وأفعالهم المتكررة المهيّجة للصهاينة إنما تدل على خيانتهم وعدم اهتمامهم بدماء المسلمين وإنْ تظاهروا بذلك كَذِبًا وخداعًا، وإنما الّذي يهمّهم أولًا هو المكاسب السياسية للتنظيم العالمي للإخوان المسلمين الذي ينتمون إليه. وقد أشار العلّامة ابن عثيمين إلى نحو ذلك بقوله: "بعض العصابات على ضلال ويَظهر من حالها أنها لا تقاتل إلّا لأجل أن تَنْصر رأيها وحزبيّتها فقط". التعليق على صحيح مسلم ٩ / ٤١٩

السبت، 30 أغسطس 2025

كلام نفيس ومهم في سبيل طالب العلم

قال الإمام الحافظ ابن رجب -رحمه الله-:

"وأمّا فقهاء أهل الحديث العامِلُون به: فإنّ مُعظَمَ هَمِّهِم: البحث عن معاني كتاب الله عزّ وجلَّ وما يُفسّرُه من السنن الصحيحة وكلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وعن سنّة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومعرفة صحيحِها وسَقِيمِها ثم التفقّه فيها وتفَهُّمها والوقوف على معانيها، ثم معرفة كلام الصحابة والتابعين لهم بإحسان في أنواع العلوم من التفسير والحديث ومسائل الحلال والحرام وأصول السنّة والزهد والرقائق وغيرِ ذلك...

ولا بدَّ أنْ يكون سلوكُ هذا الطريق خلف أئمة أهله المجمَعِ على هدايتهم ودرايتهم كالشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عُبيد ومن سلك مسلكَهم؛ فإنّ مَنِ ادّعَى سلوكَ هذا الطريق على غيرِ طريقِهم وَقَعَ في مفاوِزَ ومهالِك وأخَذَ بما لا يجوز الأخْذُ به وتَرَكَ ما يجب العَمَلُ به.

ومِلاكُ الأمرِ كلّه أنْ يَقصِدَ بذلك وجهَ اللهِ والتقرُّبَ إليه بمعرفة ما أُنزل على رسوله وسلوكِ طريقِه والعمل بذلك ودعاء الخلْقِ إليه، ومَنْ كان كذلك وفَّقه اللهُ وسدَّده وألْهَمَهُ رشْده وعلَّمَه ما لم يكنْ يَعلم وكانَ من العلماء الممدوحين في الكتاب في قوله تعالى: {إنَّمَا يَخْشَى اللهَ مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ} ومن الراسخين في العلم".


📚 جامع العلوم والحِكَم ١ / ٢٤٩ - ٢٥٠

الأحد، 17 أغسطس 2025

لا تغتر بصلاةِ الشخص ولا صيامِه، وانظُر إلى صِدقه وأمانته ووَرَعِه

عن عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، قال: 


"لا تَنظُروا إلى صلاةِ أحَدٍ ولا صيامِه، وانْظُروا إلى صِدقِ حَدِيثِه إذا حدَّث، وإلى أمانَتِه إذا ائْتُمِن، وإلى وَرَعِه إذا أشْفَى".


رواه البَيهقي في شُعَب الإيمان (٤٨٩٥) بإسناد صحيح.


(إذا أشْفَى) أي: إذا أشرف على الدنيا وأقْبَلت عليه.


📚 النهاية لابن الأثير ٢ / ٤٨٩



الخميس، 7 أغسطس 2025

هذه الدار ليست دار جزاء

 قال سماحة العلّامة ابن باز -رحمه الله-:


"إنّ هذه الدار ليست دار جزاء، ولكنها دار امتحان وابتلاء وعمل وسرور وأحزان، وقد يُنصف فيها المظلوم فيَأخذ حقّه فيها، وقد يؤجَّل أمْره إلى يوم القيامة لحكمةٍ عظيمة فينتقم الله من هؤلاء الظالمين كما قال سبحانه وتعالى: {ولا تَحسَبَنَّ اللهَ غافلًا عمّا يَعمَلُ الظالمونَ إنما يؤخِّرُهُم ليومٍ تَشْخَصُ فيهِ الأبصار}".


📚 مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لابن باز ٢٣ / ٤١١

الثلاثاء، 29 يوليو 2025

عزتنا بالتمسك بالإسلام الذي كان عليه النبي ﷺ والصحابة

فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، قال:


"إنّا كُنّا أَذَلَّ قوم، فأَعَزَّنا اللهُ بالإسلام، فمَهْما نَطلُب العِزَّ بغير ما أَعَزَّنا اللهُ به أَذَلَّنا الله".


رواه الحاكم (٢٠٧) وصحّحه على شرط الشيخين ووافقه الذهبي والألباني كما في السلسلة الصحيحة ١ / ١١٧

السبت، 5 يوليو 2025

لا علاقة لصيام يوم عاشوراء بمقتل الحسين رضي الله عنه الذي صادف نفس اليوم

 لا علاقة لصيام يوم عاشوراء بمقتل الحسين رضي الله عنه الذي صادف نفس اليوم؛ فإنّ يوم عاشوراء -كما في الأحاديث الصحيحة عن عائشة وابن عباس وغيرهما- كان معروفًا عند قريش في الجاهلية وكانوا يصومونه، ولمّا قَدِمَ النبي ﷺ المدينة ورأى اليهود يصومونه لأنه يوم نجّى اللهُ فيه موسى وقومَه وصامه موسى شكرًا لله قال (نحن أولى بموسى منهم) فصَامه وأمَرَ بصيامه، وكان النبي ﷺ في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُؤْمَر فيه بشيء، ثم في آخر الأمر كان يحب مخالفتهم، فهَمَّ بصيام التاسع مخالفةً لهم ومات قبل ذلك ﷺ.

الأربعاء، 25 يونيو 2025

الغلو بآل البيت يُؤْذِيهم ولا يُرْضِيهم

الغلو بآل البيت 

يُؤْذِيهم

ولا يُرضِيهم


كما قال التابعي الجليل الإمام (علي بن الحسين) المعروف بـ(زين العابدين) وهو أحد سادات آل البيت -رحمه الله-:


"أحِبُّونَا حُبَّ الإسلام، لله عزّ وجل، فإنَّهُ ما بَرِحَ بِنَا حُبُّكُم حتى صارَ علينا عَارًا !".


رواه أبو نُعَيم في الحِلْيَة ٣ / ١٣٦ بإسنادٍ صحيح.


الخميس، 5 يونيو 2025

قول الجمهور ليس بحُجّة

قال الإمام ابن القيّم ردًّا على مَن احتجَّ في مسألة بقول الجمهور:


"إنْ كان قول الجمهور في كل مسألة تنازع فيها العلماء هو الصواب، وجَبَ بطلان كل قول انفرد به أحد الأئمة عن الجمهور! ... والواجب اتّباع الدليل أين كان، ومع مَنْ كان، وهو الذي أوْجَبَ اللهُ تعالى اتّباعه، وحرَّم مخالفته، وجعله الميزان الراجح بين العلماء، فمَنْ كان من جانبه، كان أسعد بالصواب، قَلَّ مُوَافِقُوه أو كَثُرُوا".


الفروسية ص٢٣٧ - ٢٣٨


وقال العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "ما دامت المسألة ليست إجماعًا فالواجب النظر في الأدلة وإنْ قَلَّ القائل، وهذه القاعدة هامّة،

فإذا كان في المسألة إجماع فلا قولَ لأحد مع وجود الإجماع". اهـ


الشرح الممتع ١٣ / ١٩١

الأحد، 4 مايو 2025

روح المؤمن تسرح في الجنة إلى يوم القيامة

 عن كعب بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال:


"إنّمَا نسَمَةُ المؤمنِ طَيْرٌ يَعلُقُ في شَجَرِ الجنة، حتّى يَرْجِعَ إلى جَسَدِهِ يومَ يُبْعَث".


رواه ابن ماجه (٤٢٧١) وأحمد (١٥٧٧٨) وغيرهما، وصحّحه الألباني وغيره.


(نسَمَة المؤمن) أي: روحه.

(يَعلُق) أي: يأكل.


قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله-:

"وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة".


📚 حادي الأرواح ١ /٤٠


وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-:

"فيه البشارة لكل مؤمن بأنّ روحه تكون في الجنة تسرح فيها وتأكل من ثمارها وترى ما فيها من النضرة والسرور وتشاهد ما أعَدَّهُ الله لها من الكرامة... فنسأل اللهَ الكريم المنّان أنْ يثبِّتَنا على الإيمان".


📚 تفسير القرآن العظيم ٢ / ١٦٤

الخميس، 1 مايو 2025

ليس كل من تولَّى على الناس كان من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

"فليس كل مَن تولّى كان من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديّين، فمجرد الولاية على الناس لا يُمدح بها الإنسان ولا يستحق على ذلك الثواب، وإنما يُمدح ويثاب على ما يفعله من العدل والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وإقامة الحدود".

📚 جامع المسائل ٥ / ١٤٩

الثلاثاء، 29 أبريل 2025

كتم العلم للمصلحة

قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} :


"إذا رأى من المصلحة ألّا يبيّن فلا بأس أن يكتم؛ كما جاء في حديث علي بن أبي طالب: (حدّثوا الناس بما يعرفون أتُحِبّون أن يكذب الله ورسوله؟!) وقال ابن مسعود: (إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) فإذا رأيت من المصلحة ألّا تبيّن فلا تبيّن ولا لوم عليك". اهـ

تفسير سورة البقرة ١ / ١٥٤


وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في المسائل بعد حديث معاذ في الصحيحين (لا تبشّرهم فيتّكلوا)، قال:

"السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة".


قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح:

"كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص، لا على سبيل الإطلاق، فجائز للمصلحة، كما كتم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عن بقية الصحابة؛ خشيةَ أنْ يتّكلوا عليه، وقال لمعاذ: (لا تبشّرهم فيتّكلوا)... بل قد تقتضي المصلحة ترْكَ العمل وإنْ كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدم الكعبة ويَبْنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترَكَ ذلك خشية افتتان الناس لأنهم حدِيثُو عهدٍ بكُفر".


📚 القول المفيد ١ / ٥٥


وقال العلّامة صالح الفوزان كما في إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ١ / ٥٠: 

"..وأخبر به معاذاً، لأن معاذاً من الجهابذة، ومن خواص العلماء، فدلَّ على أنه يجوز كتمان العلم للمصلحة، إذا كان يترتب على إيضاح بعض المسائل للناس محذور: بأن يفهموا خطأً، أو يَتَّكِلوا على ما سمعوا، فإنهم لا يُخبَرون بذلك، وإنما تلقى هذه المسائل على خواص العلماء الذين لا يُخشى منهم الوقوع في المحذور، فأخذ العلماء من هذا الحديث جواز كتمان العلم للمصلحة، وإنما أخبر معاذ رضي الله عنه بهذا الحديث عند وفاته، خشية أن يموت وعنده شيء من الأحاديث لم يبلِّغه للناس، كما في حديث علي رضي الله عنه: "حدِثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله"، يعني: لا يُلقى على كل الناس بعض المسائل التي فيها أمور يَخفى عليهم معناها، أو تشوِّش عليهم، وإنما يُلقى على الناس ما يفهمونه، ويستفيدون منه، أما نوادر المسائل، وخواص المسائل، فهذه تلقى على طلبة العلم، والمتفقهين المتمكِّنين، وهذا من الحكمة ووضع الشيء في موضعه، لمّا تكون أمام عُصاة يشربون الخمور، ويزنون، ويسرقون، وتقول: الله غفور رحيم، الله قريب مجيب، الله سبحانه وتعالى يغفر ويسمح، فيزيدون في الشرور، لكن حين تقول لهم: اتقوا الله، الله سبحانه وتعالى توعّد الزناة بالعذاب وتوعّد على السرقة، وعلى المعاصي بالعذاب الشديد، فتذكر لهم نصوص الوعيد، من أجل التوبة، ولو أتيت عند متمسِّكين وطيبين فذكرت لهم آيات الوعيد، فهذا ربما يزيدهم وسواساً، أو تشدّداً، فأنت تذكر لهم آيات التيسير، وأحاديث التيسير، والتسهيل، والرحمة، الفرج، إلى غير ذلك، من أجل أن لا يزيدوا ويشتدوا ويغلوا، فكل مقام له مقال، وتوضع الأمور في مواضعها، هذا هو الميزان الصحيح، والناس ليسوا على حد سواء، كل يخاطب بما يستفيد منه ولا يتضرر به، فلا تأتي بآيات الوعد والرجاء عند المتساهلين، ولا تأتي بآيات الوعيد عند المتشددّين، بل تكون كالطبيب تضع الدواء في موضعه المناسب، هكذا يكون طالب العلم، إذا كانت هناك أمور غامضة لا يعرفها العوام، ولا تتسع لها عقولهم، من المسائل العلمية، فلا تُلقى على العوام، وإنما تُلقى على طلبة العلم، وعلى الناس الذين يستوعبونها، ولهذا يقول ابن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلاَّ كان لبعضهم فتنة" وقال علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".". اهـ

الأربعاء، 23 أبريل 2025

فائدة مهمة جدًّا لطلاب العلم

عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟!".

رواه البخاري في صحيحه.


قال العلّامة صالح الفوزان -حفظه الله-:

"يخاطِب العلماء، ويقول لهم: (حدِّثوا النّاس بما يعرفون) أي: تكلّموا عندهم بما يعرفون، أي: بما لا تَستنكِرُه عقولهم، بل حدِّثوهم بما تتحمّله عقولهم، وتُدرِكُه أفهامُهم، ولا تُسْمِعُوهم شيئاً لا يَفهمون معناه أو يجهلونه فيُبَادِرُون إلى تكذيبه فتُوقِعُونهم في الحَرَج.

وكأنّه قال هذه المقالة لَمّا كَثُر القُصّاص في وقته، وهم: الوُعّاظ. والوُعّاظ يحرِصون على أنْ يخوِّفوا الناس، فيَذْكُرون لهم كلّ ما قرأوا أو سمِعُوا من الأخبار والأحاديث، سواءً كانت صحيحة أو غير صحيحة، وسواء كان النّاس يفهمونها أو لا يفهمونها، وهذا أمرٌ لا يجوز.

فالحاضرون يحدَّثون بما تتحمّلُه عقولهم، ربما ينفعُهم، أمّا ذِكر الأشياء التي تشوِّش عليهم -وقد تحمِل بعضَهم على التكذيب- فهذا أمرٌ محرَّم، فينبغي للقاص والواعظ والخطيب والمتحدِّث أنْ يراعِيَ أحوال السامعين، فيتكلّم معهم بما يُناسِب حالهم: إنْ كان يتكلّم في وسط علماء يتكلّم بالكلام اللاّئق بأهل العلم، وإن كان يتكلّم في وسط عوام فيتكلّم بما يناسبهم وبما تتحملّه عقولهم، ويحرص على ما ينفعهم أيضاً، ويعلِّمهم أُمور دينهم: أمور عقيدتهم وصلاتهم، وأُمور عبادتهم، ويحذّرهم من المعاصي ومن المحرّمات، ولا يدخُل في المواضيع العلميّة البعيدة عن أفهام العوامّ.

وهذه حكمةٌ عظيمة من أمير المؤمنين رضي الله عنه: أنه أمَرَ أن يُراعَى أحوال الحاضرين وأحوال السّامعين، فيحدَّثون بما يتناسب مع مستواهم العلميّ.

ويا ليت المتحدِّثين في وقتنا هذا والخُطباء يمشون على هذا النّظام وهذه القاعدة التي قالها أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب.

فهذه قاعدة للمتحدِّثين في كل وقت: أنّ المتحدِّث يراعِي أحوالَ السّامعين: إنْ كان في وسطٍ علمي يتحدّث بما يناسِبه، وإن كان في وسط عامِّي يتحدّث بما يناسبه، وإنْ كان في وسط مختَلِط من العلماء ومن الجُهّال ومن العوام فإنه يلاحظ الواقع، فيتحدّث بحديث يستفيدُ منه الحاضرون ويفْهمونه من أمور دينهم، ويدرَّسون العقائد والعلوم شيئاً فشيئاً حتى تتسع لها عقولهم، وتتقبلها أفهامهم".


📚 إعانة المستفيد ٢ / ١٤٢ - ١٤٣

الأربعاء، 16 أبريل 2025

الحذر من اعتياد الانتقام وعدم الصبر على الظلم

قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:

‏"مَنِ اعتادَ الانتقام ولم يَصبِر لابُد أنْ يقع في الظلم؛ فإنّ النفس لا تقتصر على قَدْر العدل الواجب لها، لا عِلمًا ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق؛ فإنّ الغضبَ يَخرُجُ بصاحبه إلى حدٍّ لا يَعقِلُ ما يقول وما يفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعِز، إذِ انقلَبَ ظالمًا ينتظر المَقت والعقوبة!".

قاعدة في الصبر ص١٠٢

الثلاثاء، 1 أبريل 2025

حب الظهور داء قاتل

قال العلّامة الألباني -رحمه الله-: "من الأخلاق الأساسية التي يجب أنْ يتّصف بها الداعية المسلم: التواضع والبُعد عن حب الظهور والتفاخر والادّعاء؛ فإنّ هذه أدواء قاتلة تجرّد الساعي إليها والحريص عليها من أهلية الدعوة، وتُفْقِدُه سلاحًا ماضِيًا للنصر على أعدائها، وتجعل عمله هباءً منثورًا، والعياذ بالله، فاللهم عِصمتك وهُداك".

📚 التوسل أنواعه وأحكامه ص٩١

الجمعة، 21 مارس 2025

جواز وعدم كراهة مخالفة ترتيب السور في المصحف في القراءة في الصلاة

 جواز وعدم كراهة مخالفة ترتيب السور في المصحف في القراءة في الصلاة


روى مسلم في صحيحه (٧٧٢) وغيره، عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فقرأ في ركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران.


قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: ‏"‏مقتضاه عدم لزوم الترتيب بين السور في القراءة" . ‏


وقال العلامة الأثيوبي في البحر المحيط الثجاج ١٦ / ١١٧: "ما ثبت من قراءته -صلى الله عليه وسلم- "النساء" قبل "آل عمران"، ونحو ذلك فيُحمَلُ على بيان الجواز، وأن الترتيب في القراءة غير لازم، بل في الرسم والكتابة فقط، فيجوز أن يقرأ بالسورة قبل التي قبلها في الرسم".


وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على صحيح مسلم، الشريط ٨ أ: "وفيه من الفوائد أنه يجوز للإنسان أن يعكس ترتيب السور لأن النبي صلى الله عليه وسلّم بدأ بالنساء قبل آل عمران وهذا دليل على جواز مخالفة الترتيب في المصحف -إلى أن قال:- أمّا أن نقطع بالكراهة ففي النفس من هذا شيء، لأن الكراهة تحتاج إلى دليل".


وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار (١٠٠٨) عن عبد الله بن شقيق، قال صلى بنا الأحنف بن قيس صلاة الصبح بعاقول الكوفة، فقرأ في الركعة الأولى "الكهف"، وفي الثانية بسورة "يوسف" قال: وصلى بنا عمر رضي الله عنه صلاة الصبح فقرأ بهما فيهما.


وإسناده صحيح


وذكره البخاري في صحيحه تعليقًا استدلالًا به على تقديم سورة على سورة على ما في ترتيب المصحف


قال الحافظ ابن رجب في فتحه ٧ / ٦٨: "هذا يدل على أنه لا يكره قراءة القرآن على غير ترتيب المصحف، فيقرأ في الركعة الأولى سورة، وفي الثانية بسورة قبلها في ترتيب المصحف".


وقال النووي رحمه الله في التبيان ص٩٩: "ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز فقد جاء بذلك آثار كثيرة وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بالكهف وفي الثانية بيوسف، وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف". اهـ


وقد تبيَّنَ فيما سبق بأن الصحيح أنه لا كراهة في ذلك.

الخميس، 20 مارس 2025

السنّة التماس ليلة القدر في جميع العشر الأواخر، وبيانُ أنها ليلة متنقلة في العشر

السنّة التماس ليلة القدر في جميع العشر الأواخر، وبيانُ أنها ليلة متنقلة في العشر


بسم الله الرحمن الرحيم


والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبيّنا محمد وعلى آله أمّا بعد، 


فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان إلى أن توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده.


وذلك التماسًا لليلة القدر التي هي {خيرٌ من ألف شهر} والتي {فيها يُفْرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم} أي يُقْضَى فيها ما يكون من السَنَة إلى السَنَة، كما صحّ عن التابعي المفسر قتادة، وهي (ليلة الحكم) كما صحّ عن الإمام المفسر مجاهد بن جَبْر، قال الإمام الطبري في تفسيره ٢٤ / ٥٤٢: "وهي ليلة الحكم التي يَقضِي اللهُ فيها قضاء السَنَة". اهـ


وليست ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من العشر الأواخر، بل هي متنقلة في العشر كما دل عليه مجموع ما جاء فيها من الأحاديث الصحيحة والآثار.


ولو كانت ثابتة في ليلة واحدة لَمَا اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه من بعده، بل لأخبر الأمة وأرَاحَها بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يخبرهم بها في بعض السنين، ويخبرهم عن علامات لها، وكما خرج في يوم ليخبرهم بها فتخَاصَمَ رجلان فرُفِعَت فلم يخبرهم. [رواه البخاري (٢٠٢٣)]


فما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعيين لِلَيْلة القدر أو إخبار بعلَامات لها إنما هو خاص بتلك السنين التي أخبرهم فيها بها، وليس عامًّا لكل الرمضانات، كما قرّر ذلك الألوسي في تفسيره ١٥ / ٤١٤


فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أنه أُرِيَ ليلة القدر وأنه رأى أنه يسجد في ماء وطين، وكان ذلك ليلة إحدى وعشرين.


فهذا كان خاصًا بتلك السَنَة.


وروى مسلم في صحيحه (١١٦٨) من حديث عبد الله بن أُنَيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه يسجد في صبحها في ماء وطين، وكان المطر ليلة ثلاث وعشرين، وكان عبد الله بن أنيس رضي الله عنه يقول: ثلاث وعشرين.


وهذا خاص بتلك السَنَة أيضًا.


وجاء في صحيح مسلم (٧٦٢) عن أُبَي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقول أنها ليلة سبع وعشرين ويحلف على ذلك، فسُئل عن حُجّته في ذلك فقال: (بالعَلَامَةِ أو بالآيَةِ التي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) يعني الشمس.


وهذا أيضًا خاص بتلك السنة، فإنّ هذه العلَامة ليست مطّردة في كل عام. [يُنظر: إكمال المُعْلِم، للقاضي عِيَاض، ٣ / ١١٦ وتفسير الألوسي ١٥ / ٤١٤]


وفي الصحيحين عن ابن عمر أنّ رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلةَ القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رُؤْيَاكُم قد تواطأت في السبع الأواخِر فمن كان مُتَحَرِّيها فلْيَتَحَرّها في السبع الأواخر).


وهذا خاص أيضًا بتلك السَنَة.


قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على الكافي: "هذا الحديث خاص بتلك السنة فقط، أمّا في عموم السنوات فهي من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر الشهر، كل هذه الليالي تتحرَّى فيها، والدليل على هذا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام بقي يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى مات، ولو كانت انحصرت في السبع الأواخر ما كلّف الأمة ولا كلّف نفسه أنْ يعتكف جميع العشر". اهـ


وقد تقدّم ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد بأنها كانت في عامٍ ليلة إحدى وعشرين.


فالخلاصة: ليلة القدر متنقلة في العشر، فمن قام العشر قام ليلة القدر بلا ريب، ولكن هناك ليالٍ هي أرجَى من غيرها وأكثر مصادفة لليلة القدر لها، مثل ليلة سبع وعشرين. [ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ٢٥ / ٢٨٥]


وقد قال الإمام ابن خُزَيمة في صحيحه: "باب الأمر بطلب ليلة القدر آخِر ليلة من رمضان إذْ جائز أنْ يكون في بعض السنين تلك الليلة".


وروَى بإسناده عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:


(التَمِسُوا ليلةَ القَدْرِ في آخِرِ ليلةٍ)


والحديث صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٤٧١) وذَكَر له شاهدًا صحيحًا وهو ما رواه التِّرمِذي (٧٩٤) وغيره وصحّحه الترمذي والألباني وغيرهما عن عبد الرحمن بن جَوْشَن قال: 


ذُكِرَت ليلةُ القدر عند أبي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- فقال: ما أنا مُلتَمِسُها لشيءٍ سمعته من رسول الله ﷺ إلّا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول:


(التَمِسُوها في تِسعٍ يَبْقَين، أو في سبعٍ يبقين، أو في خمسٍ يبقين، أو في ثلاث، أو آخر ليلة)

وكان أبو بكرة يصلّي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السَّنَة، فإذا دخل العشر اجتهَد.


وقد لخص التابعيُّ الجليل الإمام تلميذ الصحابة أبو قِلَابةَ الجَرْمِي -رحمه الله- ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة في ذلك بقوله: "ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر". رواه الترمذي (٧٩٢) بسند صحيح، وصحّحه الألباني.


فمن أراد السنّة فليجتهد في العشر الأواخر كلها كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفّاهُ الله عز وجل.


نسأل الله تعالى أن يعيننا على طاعته وأن لا يحرمنا خير هذه الليلة المباركة العظيمة. والحمد لله رب العالمين

الخميس، 13 مارس 2025

من مفاسد (القرقيعان)

 من مفاسد (القرقيعان)

-ارتباطه ببعض الفِرَق ومولد الحسن كما يدّعون وارتباطه بشهر رمضان فليس هو عادَة مَحضة

-المعازف واللهو والتبرج في أيام وليالي شهر الصيام والقيام والعتق من النيران

-الإسراف والتبذير والتفاخر بين النساء 

-تربية الأطفال على التسول المذموم شرعًا

-تضرر الأطفال بالإكثار من أكل الحلويات وكثير منها رديء ويحتوي على مواد ضارة

*وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (١٥٥٣٢) برئاسة الشيخ ابن باز وعضوية الشيخ ابن غديّان والشيخ صالح الفوزان وغيرهما ما نصّه:

"الاحتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان أو في غيرها بمناسبة ما يسمى مهرجان القريقعان: بدعة لا أصل لها في الإسلام، (وكل بدعةٍ ضلالة)، فيجب تركها والتحذير منها، ولا تجوز إقامتها في أيّ مكان، لا في المدارس ولا في المؤسسات أو غيرها، والمشروع في ليالي رمضان بعدَ العناية بالفرائض: الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء".

الثلاثاء، 28 يناير 2025

الإسلام أن يُسْلِم قلبك لله ويَسلم منك كل مسلم وكل ذي عهد

 عن التابعي الجليل الحسن البصري -رحمه الله- قال:


"الإسلام أن يُسْلِمَ قلبُكَ لله، وأنْ يَسْلَمَ منك كل مسلم وكل ذِي عهد".


رواه ابن أبي شَيْبة (٣٥٥٨١) بسند صحيح.


➖ذو العهد: هو الكافر الذي له مع المسلمين عهد، سواء كان العهد بعقد جزية، أو هدنة من ولي الأمر، أو أمان من مسلم.


يُنظر: تحفة الأحوذي ٤ / ٥٤٨

الأحد، 12 يناير 2025

التحذير من الاجتهاد والقياس قبل التأهل، وأهمية الرجوع إلى أهل العلم

 [ التحذير من الاجتهاد والقياس قبل التأهل، وأهمية الرجوع إلى أهل العلم ]


قال رجل: (لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ).


يعني أنه إذا مات الخليفة عمر سيسارع إلى مبايعة فلان لأن بيعة أبي بكر كانت فلتة أي: فجأة وبغتة.


فاستنكر عمر رضي الله عنه قول الرجل وخطب وقال: (بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ : إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ. أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا).

رواه البخاري في صحيحه (٦٨٣٠).


قال الحافظ ابن حجر: "وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ -يعني: المبايعة- حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ مِنْ قِيَامِهِ فِي أَمْرِ اللهِ وَلِينِ جَانِبِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُسْنِ خُلُقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالسِّيَاسَةِ وَوَرَعِهِ التَّامِّ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ فِيهِ مِثْلُ صِفَاتِهِ لَا يُؤْمَنُ مِنْ مُبَايَعَتِهِ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الشَّرُّ".


وقال نقلًا عن المهلب:

"فَقَاسَ -أي: الرجل- مَا أَرَادَ أَنْ يَقَعَ لَهُ بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْطَأَ الْقِيَاسَ، لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْهُ وَيَعْمَلَ بِمَا يَدُلُّونَهُ عَلَيْهِ".


فتح الباري ١٢ / ١٥٠ و ١٥٥

السبت، 4 يناير 2025

من حرَّمَ شيئًا من العادات بدون دليل فهو مبتدع

 قال الإمام السعدي -رحمه الله-:

"وأمّا العادات كلها كالمآكِل والمشارب والملابس والأعمال العادية والمعاملات والصنائع، فالأصل فيها الإباحة والإطلاق.

فمن حرَّمَ شيئًا منها لم يحرّمه اللهُ ولا رسولُه فهو مبتدع، كما حرَّم المشركون بعض الأنعام التي أباحها الله ورسوله".


📚 القواعد والأصول الجامعة مع تعليق ابن عثيمين ص٨٦