[ التحذير من الاجتهاد والقياس قبل التأهل، وأهمية الرجوع إلى أهل العلم ]
قال رجل: (لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ).
يعني أنه إذا مات الخليفة عمر سيسارع إلى مبايعة فلان لأن بيعة أبي بكر كانت فلتة أي: فجأة وبغتة.
فاستنكر عمر رضي الله عنه قول الرجل وخطب وقال: (بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ : إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ. أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا).
رواه البخاري في صحيحه (٦٨٣٠).
قال الحافظ ابن حجر: "وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ -يعني: المبايعة- حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ مِنْ قِيَامِهِ فِي أَمْرِ اللهِ وَلِينِ جَانِبِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُسْنِ خُلُقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالسِّيَاسَةِ وَوَرَعِهِ التَّامِّ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ فِيهِ مِثْلُ صِفَاتِهِ لَا يُؤْمَنُ مِنْ مُبَايَعَتِهِ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الشَّرُّ".
وقال نقلًا عن المهلب:
"فَقَاسَ -أي: الرجل- مَا أَرَادَ أَنْ يَقَعَ لَهُ بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْطَأَ الْقِيَاسَ، لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْهُ وَيَعْمَلَ بِمَا يَدُلُّونَهُ عَلَيْهِ".
فتح الباري ١٢ / ١٥٠ و ١٥٥