السبت، 31 ديسمبر 2022

ذهاب العلم بذهاب العلماء

 [ ذهاب العلم بذهاب العلماء ]

روى الإمام البخاري في صحيحه تحت ( بَابٌ : كَيْفَ يُقْبَضُ الْعِلْمُ ؟ ) بسنده عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :

"إِنَّ اللهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا، فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا ".

ورواه مسلم أيضًا، فهو متَّفَقٌ عليه،


ورواه الترمذي تحت: ( بَابُ مَا جَاءَ فِي ذَهَابِ العِلْمِ ).


وفي رواية للبخاري: "فَيُفْتُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ".


➖قال العلّامة زيد بن محمد بن هادي -رحمه الله- في شرح الحديث:

"فإذا مات العلماء ذهب العلم، حتى لو كان مقيَّدًا في الدفاتر، فلا بُدَّ من عالمٍ يبيّنه ويشرحه للناس". اهـ

📚نزهة القاري في شرح كتاب العلم من صحيح البخاري ص١٨٢ .


قال الإمام الدارمي في مسنده (٢٤٧) : حَدَّثَنَا أَبُو النُّعْمَانِ ، حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا هِلَالٌ - هُوَ ابْنُ خَبَّابٍ - قَالَ : 


سَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ ، قُلْتُ : يَا أَبَا عَبْدِ اللهِ، مَا عَلَامَةُ هَلَاكِ النَّاسِ ؟ 


قَالَ : إِذَا هَلَكَ عُلَمَاؤُهُمْ. اهـ

إسناده صحيح، وسعيد بن جبير تابعي جليل إمام فقيه من أشهر تلاميذ ابن عباس.


➖وروى مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : 

" يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ ، وَيَنْقُصُ الْعِلْمُ، وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ، وَيُلْقَى الشُّحُّ، وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ ". قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّمَ هُوَ ؟ قَالَ : " الْقَتْلُ الْقَتْلُ ".


قال العلّامة عبد المحسن العبّاد -حفظه الله-:

"قوله: [(وينقص العلم)]، يعني: يحصل نقصان العلم وقلته وضعف أهله وذلك بالانشغال عنه، وبموت أهله الذين هم متمكّنون منه، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعا ينتزعه من قلوب الرجال، ولكن يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالما اتخذ الناس رءوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا)، فالقرّاء كثيرون والفقهاء قليلون وما أكثر مَن يقرأ وما أقل مَن يفْقه، ومعلوم أن ذهاب أهل العلم الذين هم متمكّنون منه والذين هم مرجع فيه يُعد خسارة كبيرة على الناس، ويتضح ذلك في هذا الزمان بوفاة شيخ الإسلام الشيخ عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه، والشيخ محمد بن عثيمين رحمة الله عليه، والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمة الله عليه، فإنّ هذا يبيّن لنا أنّ ذهاب مثل هؤلاء نقصٌ كبير وخسارة كبيرة للناس؛ لِمَا أعطاهم الله عز وجل من سعة العلم ونفع الناس، وما خلّفوه من تراث وعِلم يبيّن لنا شدة الخسارة وعِظَم المصيبة بذهاب من هو متمكن في العلم".

📚شرح سنن أبي داود للعبّاد ٤٧٧ / ٦


➖وقال الحافظ ابن أبي عمر العدني في كتاب الإيمان (٦٦) تحت ( باب ذهاب العلم ) : حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ، يَقُولُ: «هَلْ يُدْرَى كَيْفَ يَنْقُصُ الْإِسْلَامُ؟» قَالُوا: كَيْفَ؟ قَالَ: «كَمَا تُنْقِصُ الدَّابَّةَ سَمْنَهَا، وَكَمَا يَنْقُصُ الثَّوْبُ عَنْ طُولِ اللُّبْسِ، وَكَمَا يَقْسُو الدِّرْهَمُ عَنْ طُولِ الْخَبْوِ، وَقَدْ يَكُونُ فِي الْقَبِيلَةِ عالِمَانِ، فيَمُوتُ أحَدُهُمَا فَيَذْهَبُ نِصْفُ عِلْمِهِ، ويَمُوتُ الْآخَرُ فَيَذْهَبُ عِلْمُهُمْ كُلُّهُ». اهـ


وإسناده صحيح على شرط الشيخين

الأربعاء، 2 نوفمبر 2022

تفسير أبي هريرة لقوله تعالى: {كنتم خيرَ أمةٍ أخرجت للناس}

 عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنه في قول الله تعالى: 

{ كُنتم خيرَ أُمّةٍ أُخْرِجَت للناس }

قال:

"خيرَ الناسِ للناس، تَأْتُونَ بهم في السلاسِلِ في أعناقِهِمْ حتى يَدْخُلُوا في الإسلام".


رواه البخاري (٤٥٥٧) وغيره.


قال الحافظ ابن حجر: "أي: أنفعهم لهم، وإنما كان ذلك لكونهم كانوا سببًا في إسلامهم".

فتح الباري ٨ / ٢٢٥


وقال الحافظ ابن كثير: "وهكذا قال ابن عباس ومجاهد وعكرمة وعطاء والربيع بن أنس، وعطية العوفي...  والمعنى: أنهم خيرُ الأمم وأنفَعُ الناسِ للناس، ولهذا قال: {تأمرونَ بالمعروفِ وتنهونَ عن المنكر وتؤمنون بالله}".

تفسير القرآن العظيم ٢ / ٩٣


قال شيخ الإسلام ابن تيمية معلّقًا على أثر أبي هريرة رضي الله عنه: "يبذلون أنفسهم وأموالهم لمنفعة الخَلْق وصلاحهم، وهم يَكْرَهُونَ ذلك لِجَهلهم! كما قال أحمد في خطبته: (الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يَدعُون من ضَلَّ إلى الهُدى ويَصبِرُون منهم على الأذَى، يُحيُون بكتاب الله الموتَى، ويبصّرون بنور الله أهل العمَى، فكم من قتيلٍ لإبليس قد أحيَوْه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدَوْه، فما أحسَن أثَرهم على الناس، وأقْبَح أثر الناس عليهم) إلى آخر كلامه".

مجموع الفتاوى ١٦ / ٣١٦


وقال رحمه الله في موضع آخر معلقًا على أثر أبي هريرة:

"وهكذا الرد على أهل البدع من الرافضة وغيرهم: إنْ لم يُقصد فيه بيان الحق وهدَى الخلْق ورحمتهم والإحسان إليهم، لم يكن عمَلُه صالحًا. وإذا غَلَّظَ في ذمِّ بدعةٍ ومعصية كان قصده بيان ما فيها من الفساد ليحذرها العِبَاد، كما في نصوص الوعيد وغيرها، وقد يُهْجر الرجل عقوبةً وتعزيرًا، والمقصود بذلك رَدْعُه وردعُ أمثالِه، للرحمة والإحسان، لا للتشفي والانتقام".

منهاج السنّة ٥ / ٢٣٩

السبت، 22 أكتوبر 2022

الكاهن، الذي يُخْبِر عن المغيبات في المستقبل، قد يَصْدُق أحيانًا، ولكن..

 عن أم المؤمنين عائشة، قالت: قُلتُ: يا رسولَ الله، إنّ الكُهَّانَ كانُوا يُحَدِّثُونَنا بالشيءِ فنَجِدُهُ حقًّا ! 

قال ﷺ:

"تِلْكَ الكلمةُ الحَقُّ يَخْطَفُهَا الجِنِّيُّ فيَقْذِفُهَا في أُذُنِ وَلِيِّهِ ويَزِيدُ فيها مِائَةَ كَذْبَة".

رواه مسلم (٢٢٢٨).

الكاهن: هو الذي يُخْبِر عن المغيبات في المستقبل.

القول المفيد لابن عثيمين ١ / ٥٤٥


قال الإمام ابن القيّم رحمه الله:

"وقد نهَى النبي ﷺ عن إتْيَان الكُهّان، وأخْبَرَ أنّ مَنْ أتَى عرَّافًا فصَدَّقَهُ بما يقول فقد كَفَر بما أُنزِل عليه ﷺ [رواه أحمد:٩٥٣٦]، ولا رَيْب أنّ الإيمان بما جاء به محمد ﷺ، وبما يَجِيء به هؤلاء، لا يَجتمِعَان في قلبٍ واحد، وإنْ كان أحدهم قد يَصْدُقُ أحيانًا، فصِدْقُهُ بالنسبة إلى كَذِبِه قليلٌ مِنْ كثير، وشيطانه الذي يَأْتِيه بالأخبار لا بُدَّ له أنْ يَصْدُقَهُ أحيانًا لِيُغْوِيَ به الناس ويَفْتِنَهُم به.


وأكثر الناس مُسْتَجِيبُون لهؤلاء، مؤمنون بهم، ولا سيّما ضعفاء العقول، كالسفهاء والجهال والنساء وأهل البوادي ومَنْ لا عِلمَ لهم بحقائق الإيمان، فهؤلاء هم المَفتُونون بهم، وكثيرٌ منهم يُحسِنُ الظن بأحَدِهِم، ولو كان مشرِكًا كافرًا بالله مجاهرًا بذلك! ويَزُوره، ويَنْذُرُ له، ويلتمس دُعاءَه!


فقد رأينا وسَمِعنا من ذلك كثيرًا، وسببُ هذا كله: خفاء ما بَعَثَ اللهُ به رسوله مِنَ الهُدَى ودينِ الحق على هؤلاء وأمثالهم، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللهُ لَهُ نُورًا فمَا لَهُ مِنْ نُور}".


زاد المَعَاد ٥ / ٦٩٧

الخميس، 20 أكتوبر 2022

الرؤيا قد تصح من الكافر والفاسق

 قال القرطبي رحمه الله في تفسيره فيما يتعلق بتفسير يوسف عليه السلام لرؤيا المَلِك:


"هذه الآية أصل في صحة رؤيا الكافر، وأنها تخرج على حسب ما رأى، لا سيما إذا تعلقت بمؤمن، فكيف إذا كانت آية لنبي. ومعجزة لرسول، وتصديقا لمصطفى للتبليغ، وحجة للواسطة بين الله- جل جلال- وبين عباده".


📚 تفسير القرطبي ٩ / ٢٠٤


قال الإمام البخاري في صحيحه: "بَابُ رُؤْيَا أَهْلِ السُّجُونِ وَالْفَسَادِ وَالشِّرْكِ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : { وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ } -وذَكَر الآيات من سورة يوسف-".


قال الحافظ ابن حجر: 

"الرؤيا الصحيحة وإن اختصت غالبًا بأهل الصلاح لكن قد تقع لغيرهم".


📚 فتح الباري ١٢ / ٣٨١


وسُئل العلّامة ابن عثيمين رحمه الله:


الرؤيا هل هي خاصة بأحدٍ من الناس أو هي دليل صلاحٍ للإنسان؟


الجواب:

"لا، ليس كذلك، بل هي أمر يقدّره الله تعالى على المؤمنين وعلى الفُسّاق، لربّما يرى الكافر أيضًا رؤيا ويقَعَ الأمرُ كما رأى".


📻 لقاء الباب المفتوح [٩٤]

الخميس، 1 سبتمبر 2022

الإنفاق على الترفيه غير المحرّم لدفع الملل ليس من إضاعة المال

 قال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"أمّا صَرْفُ المال فيما لا فائدة فيه، لكنْ فيه انشراحٌ للصدر وليس مُحَرَّمًا، كالتسلية، فالإنسان يَسْأَم مِنَ الأعمال الجدّية، ويجب أن يرفّه عن نفسه بعض الشيء، فهل يُعد هذا إضاعةً للمال؟

والجواب: لا، وصحيح أنّ هذا الشيء في حد ذاته ليس مفيدًا، لكنه مقصودٌ لغيره، من أجل أنْ يُذهِبَ الإنسان عن نفسه السآمة؛ لأن النفس تَمَلُّ وتَكْسَل وتحتاج إلى ما ينشّطها، ومن ذلك المنتزهات، حيث يخرج كثيرٌ من الناس الآن إلى المنتزهات، ومعلوم أنّ الإنفاق في المنتزهات فيه زيادةُ إنفاق، لكن أيضًا فيه راحة وتسلية للنفس وإزالةٌ للملل، فيكون هذا مِنَ المقصود لغيره، ولا يُعَد إضاعةً للمال، وإنْ كان هو في حد ذاته ليس مفيدًا، لكنه مفيدٌ لغيره".

📚 فتح ذي الجلال والإكرام بشرح بلوغ المرام ١٥ / ١٠٠

الأربعاء، 10 أغسطس 2022

الحكم بغير ما أنزل الله ليس خاصًّا بالحكام والمحاكم

قال العلّامة الوالد صالح الفوزان حفظه الله تعالى:

"فالذي يَقْصُر هذا التحاكُم إلى الكتاب والسنّة على المحاكم الشرعيّة فقط: غالِط، لأن المراد: التحاكم في جميع الأمور وجميع المنازعات: في الخُصومات، وفي الحقوق المالية، وغيرها، وفي أقوال المجتهدين، وأقوال الفقهاء، وفي المناهج الدعوية، والمناهج الجماعية، لأن الله تعالى يقول: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فحُكْمُهُ إلى الله} و {شيء} نكرة في سياق الشرط، فتَعُمّ كلَّ نزاع، وكل خلافٍ في شيء، سواءً في الخصومات، أو في المذاهب، أو في المناهج، وفي أقوال الجهمية والمعتزلة والأشاعرة والقدرية.

يجب أن نعرف هذا، لأن بعض الناس وبعض المنتسبين للدعوة يَقْصُر هذا على وجوب التحاكم في المنازعات والخصومات إلى المحاكم الشرعية، ويقول: يجب تحكيم الشريعة ونَبْذِ القوانين، نعم، يجب هذا، ولكن لا يجوز الاقتصار عليه".

📚 إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ٢ / ١١٩

الأحد، 24 يوليو 2022

الرياضة

 قال العلّامة السعدي رحمه الله تعالى:

"ومتى تمرن على الرياضة البدنية قَوِيَت أعضاؤه واشتدّت أعصابُه وخفّت حركاته وزادَ نشاطه واستحدث قوة إلى قوّته يستعينُ بها على الأعمال النافعة، لأن الرياضة البدنية من باب الوسائل التي تُقصد لغيرها لا لنفسها.

وأيضًا إذا قوِيَت الأبدان وحركاتها ازداد العقل وقوِيَ الذهن وقلّت الأمراض أو خفّت، وأغْنَت الرياضة عن كثير من الأدوية التي يحتاجها أو يضطر لها من لا رياضة له.

ولا ينبغي للعبد أن يجعل الرياضة البدنية غايته ومقصوده فيضيع عليه وقته، ويفقد المقصود والغاية النافعة الدينية والدنيوية، ويخسر خسرانًا كثيرًا، كما هو دأبُ كثيرٍ من الناس الذين لا غايةَ لهم شريفة، إنما غايتهم مشاركة البهائم فقط، وهذه غاية ما أحقرها وأرذلها وأقل بقاءها".

📚 الرياض الناضرة للعلّامة السعدي، ضمن مجموع مؤلفاته ٢٢ / ٢٠٢

الأحد، 19 يونيو 2022

وقد يُصاب الإنسان بالمصيبة لا عقوبةً على تَرْكِ واجب أو فِعل محرّم ولكن

 "وقد يُصاب الإنسان بالمصيبة لا عقوبةً على تَرْكِ واجب أو فِعل محرّم ولكن من باب الامتحان، يمتحن الله بها الإنسان ليعلم عزّ وجل أيَصبِرُ أم لا يصبِر، فإذا صبر كانت هذه المصيبة مِنحة، لا مِحنة، يرتقي بها هذا الإنسان إلى المراتب العالية، وهي مرتبة الصابرين، لأن الصبر لا يحصل إلا بشيءٍ يُصبَرُ عليه، ولهذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يُوعَك، يعني يُمْرَض، كما يُوعَك الرَّجُلان مِنّا [رواه البخاري ومسلم]، أي: يُشدَّد عليه في الوَعْكِ لأجلِ أنْ يَنَال بذلك أعلى درجات الصابرين، عليه الصلاة والسلام".

📻 فتاوى نور على الدرب للعلّامة ابن عثيمين (١٩٥)

الأربعاء، 8 يونيو 2022

إنّ العلماء الفقهاء الناصحين قد يسكتون عن أشخاص وأشياء مراعاةً منهم للمصالح والمفاسد.

 "إنّ العلماء الفقهاء الناصحين قد يسكتون عن أشخاص وأشياء مراعاة منهم للمصالح والمفاسد.

فقد يترتب على الكلام في شخص مفاسد أعظم بكثير من مفسدة السكوت عنه. 

فقد سكت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذكر أسماء المنافقين، ولم يُخبِر بأسمائهم أو بعضها إلا حذيفة، ومتى كان يصعد على المنبر ويقول: فلان منافق، و فلان منافق؟!

كل ذلك مراعاة منه للمصالح والمفاسد.

و كان قتلة عثمان في جيش علي -رضي الله عنه- وما طعن كبار الصحابة الباقين في علي -رضي الله عنه-، ولا أحد من عقلاء التابعين، وما كانوا يركضون بالتشهير بعلي، والأحكام على هؤلاء القتلة، وكان ذلك منهم إعذار وإنصاف لعلي، لأنه لو أخرجهم من جيشه أو عاقبهم لترتب على ذلك مفاسد عظيمة، منها الحروب وسفك الدماء وما يترتب على ذلك من وهن الأمة و ضعفها.

فهذا العمل منه من باب ارتكاب أدنى المفسدتين لدفع أكبرهما.

و هذا ابن تيمية وتلميذه ابن القيم لماذا لم يبيِّنا عقيدة النووي وغيره، وأئمة الدعوة لم يبيّنوا عقيدة النووي وابن حجر والقسطلاني والبيهقي والسيوطي و غيرهم؟ 

فلا تظن أن كل تصريحٍ نصيحة ولا كل سكوت غشًّا للإسلام والمسلمين.

والعاقل المنصف البصير يدرك متى يجب أو يجوز الكلام ومتى يجب أو يجوز السكوت".


📚 مجموع الفتاوى والرسائل للعلّامة ربيع بن هادي المدخلي ٩ / ١٤٣ - ١٤٤

الأربعاء، 4 مايو 2022

كان أهل الخير يوصي بعضهم بعضًا بثلاث

 قال التابعي الثقة أبو عَونٍ الثَّقَفي -رحمه الله-:

"كان أهل الخير إذا الْتَقَوا يُوصِي بَعضُهم بعضًا بثلاث، وإذا غابُوا كَتَبَ بعضهم إلى بعضٍ بثلاث:

من عَمِلَ لآخِرَتِه: كَفَاهُ اللهُ دُنياه، ومن أَصلحَ ما بينه وبينَ الله: كَفَاهُ اللهُ الناس، ومن أَصلَح سريرته: أَصلحَ اللهُ علانِيَته".


📌رواه ابن أبي شيبة (٣٥٤٧٢) بسند صحيح.


➖قلت: مِنْ إصلاح ما بين العبد وبين الله: تقوى الله تعالى في التعامل مع الخلق، فيُحِب لهم ما يحب لنفسه، ولا يبغي عليهم، ولا يحسدهم، وليس مجرد أداء الصلاة والصيام والزكاة.

ومعنى إصلاح السريرة: إصلاح القلب، وفي الحديث الصحيح المتفق عليه: (أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ القَلبُ).


نسأل الله العافية والسلامة

الأربعاء، 30 مارس 2022

قد اقترب الشهر المبارك

 الحمد لله رب العالمين 


والصلاة والسلام على نبيّنا محمد وآله،


أمّا بعد،


فها هو الشهرُ المبارَكُ قد اقترب 


وهو شهرٌ سمّاهُ النبي صلى الله عليه وسلم: "شهر الصبر". [رواه النَّسَائي (٢٤٠٨) وغيره وصحّحه الألباني]


وقال صلى الله عليه وسلم: "كلُّ عملِ ابنِ آدَمَ يُضَاعَف: الحسنةُ عشْرُ أمثالِها إلى سبعمائة ضِعف. قال الله عز وجل: إلا الصومَ فإنه لي وأنا أجزي به، يَدَعُ شهوته وطعامَهُ من أجلي". [رواه مسلم (١١٥١)]


وهذا الاستثناء للصوم من هذا التضعيف للحسنات يدل على عِظَمِ ثواب الصوم، وأنّ الله تعالى يجزي عليه الجزاء العظيم 


قال العلماء: لأنّ الصوم من الصبر، والله تعالى يقول: {إنما يُوَفَّى الصابرونَ أجْرَهُم بغيرِ حِساب}، يعني: بغير حَد ولا تقدير، والصوم يشتمل على أنواع الصبر الثلاثة: وهي: الصبر على طاعة الله بفِعلها، والصبر عن معصية الله باجتنابها، والصبر على أقدار الله المؤلمة، كالعطش والملل والكسل الذي يحصل أثناء الصيام، لذلك كان للصائم هذا الجزاء العظيم.


⬅️وهنا تنبيهٌ مهم: وهو أنّ الثواب لا يحصل لِمَنْ لم يصبر عن معاصي الله كالغِيبة والشتم وأذيّة الناس والنَّظَر المُحَرَّم والسماع المُحَرَّم وغير ذلك؛


قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس الصيامُ من الأكل والشرب، إنما الصيامُ من اللغوِ والرَّفَث، فإنْ سابَّكَ أحَدٌ أو جَهِلَ عليك فَلْتَقُلْ: إني صائم، إني صائم". [رواه ابن خزيمة (١٩٩٦) وغيره، وصحّحه الألباني]


اللغو: باطل الكلام، والرفث: الفُحش من القول.


وقال صلى الله عليه وسلم: "رُبَّ صائمٍ ليس له مِنْ صيامِهِ إلا الجُوع، ورُبَّ قائمٍ ليس له من قيامِه إلا السهر". [رواه ابن ماجه (١٦٩٠) وغيره، وصحّحه الألباني]


وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ لم يَدَع قَوْلَ الزُّورِ والعمَلَ به فليس لله حاجةٌ في أنْ يدَعَ طعامَهُ وشرَابَه". [رواه البخاري (١٩٠٣)]


قول الزور: كل قولٍ محرَّم، وعمل الزور: كل عملٍ محرَّم.


فلنحرص على تحقيق الصبر في شهر الصبر ونحتسب في ذلك الأجر 


قال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صامَ رمضانَ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّمَ مِنْ ذَنْبِه". [متفَقٌ عليه]


نسأل اللهَ تعالى أنْ يبلّغنا رمضان وأنْ يُعِيننا على الطاعةِ فيه وأنْ يتقبل منّا أعمالنا، آمين.


📌يُنظر: التنوير للصنعاني ٩ / ٢٢٨، ووظائف رمضان لابن قاسم ص١٤، وتفسير السعدي ص٧٢٠ سورة الزُّمَر:١٠، وشرح رياض الصالحين لابن عثيمين ٥ / ٢٦٧، وشرح بلوغ المرام لابن عثيمين ٣ / ٢٠٤

الأحد، 27 فبراير 2022

اعتذار للإمام أبي حنيفة في كثرة القياس في مذهبه

قال الإمام الألباني رحمه الله تعالى:

"قال الشعراني في الميزان ١/٦٢ ما مختصره: (واعتقادنا واعتقاد كل منصف في الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لو عاش حتى دُوّنت الشريعة، وبعد رحيل الحفّاظ في جمْعها من البلاد والثغور، وظفر بها، لأخَذَ بها وترَكَ كل قياس كان قاسه، وكان القياس قَلَّ في مذهبه، كما قل في مذهب غيره بالنسبة إليه، لكن لمّا كانت أدلة الشريعة مفرَّقة في عصره مع التابعين وتابعي التابعين في المدائن والقرى والثغور؛ كَثُرَ القياس في مذهبه بالنسبة إلى غيره من الأئمة ضرورة لعدم وجود النص في

تلك المسائل التي قاس فيها، بخلاف غيره من الأئمة، فإنّ الحفّاظ كانوا قد رحلوا في طلب الأحاديث وجمعها في عصرهم من المدائن والقرى، ودوّنوها، فجاوبت أحاديث الشريعة بعضها بعضًا، فهذا كان سبب كثرة القياس في مذهبه وقِلّته في مذاهب غيره ).

ونقل القسم الأكبر منه أبو الحسنات في النافع الكبير ص ١٣٥ ، وعلّق عليه بما يؤيّده

ويوضحه. فليراجعه من شاء.

قلت [القائل: الألباني]: فإذا كان هذا عذر أبي حنيفة فيما وقع منه من المخالفة للأحاديث الصحيحة دُونَ قصد، وهو عذر مقبول قطعًا لأن الله تعالى لا يكلّفُ نفسًا إلا وُسعها، فلا يجوز الطعن فيه كما قد يفعل بعض الجهلة، بل يجب التأدب معه لأنه إمام من أئمة المسلمين الذين بهم حفظ هذا الدين ووصل إلينا ما وصل من فروعه، وأنه مأجور على كل حال أصاب أم أخطأ، كما أنه لا يجوز لمعظِّميه أنْ يَظلوا متمسّكين بأقواله المخالفة للأحاديث؛ لأنها ليست من مذهبه كما رأيت نصوصه في ذلك، فهؤلاء في واد وأولئك في واد، والحق بين هؤلاء وهؤلاء، {ربَّنا اغفِر لنا ولإخوانِنا الذين سبقونا بالإيمان ولا تَجعلْ في قلوبِنا غِلًّا للّذين آمنوا ربَّنا إنك رؤوفٌ رحيم}".

 أصل صفة الصلاة ١ / ٢٥ - ٢٦

الجمعة، 25 فبراير 2022

التعصب للوطن مبدأ خطير

 قال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"إنّ الواجب يا إخواني ألّا نكون وطنيّين وقوميّين، أَي: ألّا نتعصّب لقومِنا ولوطنِنا؛ لأنّ التعصب الوطني قد يَنْضَم تحت لوائه المؤمن والمسلم والفاسق والفاجر والكافر والملحد والعلماني والمبتدع والسُّني، وطن يشمل كل هؤلاء، فإذا ركّزنا على الوطنية فقط فهذا لا شك أنه خطير؛ لأننا إذا ركّزنا على الوطنية جاء إنسان مبتدع إلى إنسان سني وقال له: أنا وإيّاكَ مشتركان في الوطنية ليس لكَ فضلٌ عَلَيَّ ولا لي فضلٌ عليك، وهذا مبدأ خطير في الواقع.

والصحيح: هو التركيز على أن نكون مؤمنين ... ولا يستقيم الأمر إلّا أنْ يكون الجامع بيننا الإيمان: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ}، والآية نزلت في المدينة  وكان في المدينة يهود قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها؛ ومع ذلك فلم يدخلوا في الآية مع أنهم مواطنون، فإنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- مات ودِرْعُه مرهونة عند يهودي، فهذه مسألة خطيرة.

فالمبدأ الصحيح أنّ الذي يجمع بيننا هو الإسلام والإيمان، وبهذا نكسب المسلمين في كل مكان.

أمّا احتجاج بعض دعاة الوطنية بقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- لمكة: «إنكِ أَحَبُّ البِقَاعِ إلى الله» فلا حُجّة لهم في ذلك؛ لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يَقُل: إنكِ أحب البلاد إِلَيّ، بل قال: «أحب البقاع إلى الله»، ولذلك قال: «ولولا أنّ قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت» فلم يَقُل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ذلك من أجل الوطنية، وإنما من أجل أنّ مكة أَحَب البقاع إلى الله -تعالى-، وهو -صلى الله عليه وسلم- يحب ما يحبه الله". 

 [لقاء الباب المفتوح (٤٨)]

الأحد، 13 فبراير 2022

تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام

{يا أيها الذين آمَنوا لا تحرِّموا طيِّباتِ ما أَحَلَّ اللهُ لكم ولا تَعتَدُوا إنّ اللهَ لا يُحِبُّ المُعتدين}


قال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"تحريم الحلال أشد من تحليل الحرام لأن تحريم الحلال تضييق على عباد الله بدون علم، وتحليل الحرام -إنْ قُدّر أنه حرام- بناءً على الأصل، لأن الأصل في الأشياء الحِل إلا الشرائع فالأصل فيها الحظر".

تفسير سورة المائدة ٢ / ٣٠٢

الجمعة، 28 يناير 2022

احذروا أنصاف العلماء

 قال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"احذروا أنصاف العلماء، قال شيخ الإسلام رحمه الله في كتابه (الفتوى الحموية) : يُقال: ما أفسدَ الدنيا والدين إلا نصف متكلم ونصف فقيه ونصف نحوي ونصف طبيب".

لقاء الباب المفتوح ٢٢٧ / ٢١

الأربعاء، 26 يناير 2022

ليس العدل: المساواة المُطلَقَة

 قال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:

"وليس العدل: المساواة المُطلَقَة، كما يَنطِقُ به بعضُ الناس حِينَ يقول: دين الإسلام دين المساواة، ويُطلِق؛ فإنّ المساواة بين المُخْتَلِفَات جَوْرٌ لا يأتي به الإسلام ولا يُحمَدُ فاعِلُه".


نبذة في العقيدة الإسلامية ص٣١

لله حكمة في إلقاء الغفلة على قلوب عباده أحيانًا

 قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:


"لله حكمة في إلقاء الغفلة على قلوب عِبَاده أحيانًا حتى تقع منهم بعض الذنوب ... وفي إيقاعهم في الذنوب أحيانًا فائدتان عظيمتان:

أحدهما: اعتراف المُذْنِبين بذنوبهم وتقصيرهم في حقِّ مَولاهُم وتنكيس رؤوس عُجْبِهِم، وهذا أحَبُّ إلى الله مِنْ فِعلِ كثيرٍ من الطاعات؛ فإنّ دوام الطاعات قد يُوجِب لِصاحبها العُجْب، وفي الحديث: (لو لم تُذْنِبُوا لَخَشِيتُ عليكم ما هو أشَدُّ من ذلك: العُجب) [حسّنه الألباني في الصحيحة (٦٥٨)] ...

الفائدة الثانية: حصول المغفرة والعفو من الله لِعبده؛ فإنّ الله يحب أنْ يَعفُو ويَغفِر، ومن أسمائه: الغفّارُ والغَفُور والتوّاب، فلو عَصَمَ الخَلْقَ فلِمَنْ كانَ يكونُ العفو والمغفرة؟!".


لطائف المعارف ص٣٤ - ٣٥

الاثنين، 24 يناير 2022

لابُد من اجتماع العلم والوَرَع في الجارح، وإلا حصل منه البَغْي والضرر على البشر


قال الحافظ السخاوي رحمه الله: 

"وهذا ضَرَرٌ عظيمٌ فِيمَا إذا كانَ الجارِحُ معروفًا بالعِلْمِ وكانَ قليلَ التقوى؛ فإنّ عِلمَهُ يقتضي أنْ يُجعَلَ أهلًا لسماع قولِهِ وجَرْحِه، فيَقَعُ الخلَلُ بسببِ قلّةِ وَرَعِهِ وأخْذِهِ بِالتوَهُّم".


 فتح المغيث ٤ / ٣٦٥

السبت، 22 يناير 2022

خوف السلف من النفاق الأصغر وهو نفاق العمل


قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:


"ونحن نَعلم أنّ التوكلَ على الله فرض، والإخلاص له فرض، ومحبة الله ورسوله فرض، والصبر على فِعل ما أمَرَ الله وعمّا نهَى الله عنه وعلى المصائب التي تُصِيبُه فرض، وخشية الله وحدَه دُونَ خشيةِ الناس فرض، والرجاء لله وحدَه فرض، وأمثال ذلك من الأعمال الباطنة والظاهرة والتي يَحصُل التقصيرُ في كثيرٍ منها لعامّة الخلق.


وأيُّ نوع من هذه الأنواع إذا تدَبَّر بعضُ الصدّيقين فيه حالَهُ يَجِده قد ظَلَم نفسَه فيه ظلمًا كثيرًا، دَع ما سوى ذلك من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله، وكالقيام بحقوق الأهل والجيران والمؤمنين، وإكمال كل واجب كما أمر به، وأمثال ذلك مما لا يُحصَى.


وقد ذكر البخاري عن ابن أبي مُليكةَ قال: (أدركتُ ثلاثين من أصحاب محمد كلُّهم يخاف النفاقَ على نفسِه). وفي الصحيح أنّ حنظلةَ الكتاب لما قال: (نافق حنظلة)، قال أبو بكر: (إنّا لَنَجد ذلك).


فهؤلاء كانوا يخافون على أنفسهم النفاق لكمال عِلمهم وإيمانهم، ولهذا كان عبد الله بن مسعود وغيره من السلف يستثنون الإيمان فيَقُول أحدُهم: (أنا مؤمنٌ إنْ شاء الله)".


 جامع المسائل ٤ / ٦٢



قال الحافظ ابن رجب رحمه الله:


"النفاق أصغر وأكبر؛ فالنفاق الأصغر هو نفاق العمل، وهو الذي خافه هؤلاء -السلف- على أنفسهم، وهو باب النفاق الأكبر، فيُخشى على من غلب عليه خصال النفاق الأصغر في حياته أنْ يُخرِجَه ذلك إلى النفاق الأكبر حتى ينسلخ من الإيمان بالكلية، كما قال تعالى {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ} وقال: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّة} [الأنعام: ١١٠]".


 فتح الباري لابن رجب ١ / ١٩٥



قال الشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله:


"النفاق الأصغر: نفاق العمل، وهو أنْ يُظْهِر الإنسان علانيةً صالحة، ويُبطِن ما يخالف ذلك. وأمّا النفاق الأكبر فهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويبطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه، وهذا النفاق -أي: الأكبر- الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل القرآن بذم أهله وأخبَرَ أنهم في الدرك الأسفل من النار".


 التحفة الربانية في شرح الأربعين النووية ص١٠٢

الخميس، 20 يناير 2022

فائدة نفيسة في التفاضل بين العبادات

 قال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى:


"إذا جاءنا طالبُ عِلم، وقال: إنني إذا صُمت قصّرت عن طلب العلم وصار عندي خَوَرٌ وضعف وتعَب، وإذا لم أصُم نَشِطتُ على العلم، فهل الأفضل لي أن أصوم يومًا وأفطر يومًا لأنه أفضل الصيام، أو أن أقوم بطلب العلم؟ نقول: الأفضل أن تقوم بطلب العلم.


وإذا جاءنا رجل عابد ليس له شُغل، لا قيام على عائلة، ولا طلب علم، وقال: ما الأفضل لي، أن أصوم يومًا وأفطر يومًا، أو لا أصوم؟ نقول: الأفضل أن تصوم يومًا وتفطر يومًا.


فالمهم أنّ التفاضل في العبادات وتمييز بعضها عن بعض وتفضيل بعضها على بعض أمرٌ ينبغي التفطن له؛ لأن بعض الناس قد يلازم طاعةً معيّنة ويترك طاعات أهم منها وأنفع، وقد جاء وفد إلى النبي صلّى الله عليه وسلّم فجلس يتحدث إليهم وترَكَ راتبة الظهر ولم يصلِّها إلا بعد العصر، فعلى هذا ينبغي للإنسان أن يعادل بين نوافل العبادات وإذا ترك شيئًا لِمَا هو أهم منه فلا يقال إنه ترَكه، بل فعَلَ ما هو خيرٌ منه، فلا يُعَد ذلك قصوراً".


 الشرح الممتع على زاد المستقنِع ٦ / ٤٧٣

الأربعاء، 12 يناير 2022

توقير العلماء وعدم القدح فيهم هو شأن أهل السنة والجماعة، بخلاف أهل البدع

 "ومعلوم أنّ توقير العلماء وعدم القدح فيهم هو شأن أهل السنة والجماعة، بخلاف أهل البدع، ولهذا يقول الطحاوي رحمه الله في عقيدة أهل السنة والجماعة: (وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم من التابعين أهل الخبر والأثر وأهل الفقه والنظر لا يُذكرون إلا بالجميل، ومن ذكرهم بسوء فهو على غير السبيل)".


 شرح سنن أبي داود للعلّامة العبّاد ٥٨٦ / ٤٧ [ ترقيم الشاملة ]

الجمعة، 7 يناير 2022

التفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسب حفظ القرآن في الدنيا

 قال الإمام الألباني رحمه الله في سلسلة الأحاديث الصحيحة:

"فضل حافظ القرآن ٢٢٤٠- (يُقال لصاحب القرآن: اقرأ وارتقِ ورتِّل كما كنتَ ترتّل في الدنيا فإنّ منزلتك عند آخر آية تقرأ بها) -إلى أن قال رحمه الله:- واعلم أنّ المراد بقوله: (صاحب القرآن): حافظه عن ظهرِ قلب، على حدِّ قوله صلى الله عليه وسلم: (يَؤُمُّ القومَ أقرؤهم لكتاب الله) أي: أحفظهم، فالتفاضل في درجات الجنة إنما هو على حسَب الحفظ في الدنيا، وليس على حسب قراءته يومئذٍ واستكثاره منها كما توهّم بعضهم، ففيهِ فضيلة ظاهرة لحافظ القرآن، لكن بشرط أنْ يكون حفظه لوجه الله تبارك وتعالى، وليس للدنيا والدرهم والدينار، وإلا فقد قال صلى الله عليه وسلم: (أكثر منافِقي أمتي قُرّاؤها)".

سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ / ٢٨١ - ٢٨٤