الاثنين، 20 ديسمبر 2021

طالب العلم لا يسلّم لأحكام الحافظ ابن حجر أو الشيخ الألباني أو غيرهما بل يراجع ويعتني

 قال سماحة الإمام عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى:


"وقول الشيخ ناصر في الصحيحة: (صحيح) أو في الضعيفة: (ضعيف) أو غيرها من كتبه لا يعني أنْ يُؤْخَذ هذا مسلَّمًا، فطالب العلم لابُد أن يراجِع ويعتني، مِثل ما إذا ضعّف الحافظ ابن حجر وغيرُ الحافظ أو الهيثمي، لا يُؤخذ كلامهم على الإطلاق، فكلُّ واحد له أوهام وله أغلاط في ما يحكم عليه، تارة يَهِم ويغلط في التصحيح، وتارة يهم ويغلط في التضعيف، فينبغي لطالب العلم أنْ لا يأخذه مسلَّمًا إذا نقله عن هؤلاء، الحافظ ابن حجر أو الهيثمي أو غيرهما، أو الشيخ الألباني من باب أولى، لابُد أنْ يكون عند طالب العلم هِمّة فوقَ ذلك، يراجع ما ذكَرُوا ويراجع في الأصول المعتبرة حتى يتبيّن له الحقيقة، فقد يوافقهم وقد يخالفهم؛ لأن الأدوات معروفة ومصطلح الحديث معروف، وأسباب التصحيح والتضعيف معروفة، فلا بد من عناية، فتراجع الأصول المعتبرة التي خرّجت الحديث وروت الحديث، تراجع حتى يعرف أصل الحديث، هل هو صحيح أو ضعيف؟ أو الذي حكم عليه بالصحة أو الضعف قد وَهِم".


[ التعليقات البازية على شرح الطحاوية ج ١ ص ٦١٣ ]

السبت، 11 ديسمبر 2021

قد يُبتلى الصادق بسبب اجتهاده الخاطئ


في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً [وهي بيت للعبادة]، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ : أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلَاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ [أي: الزانيات]. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ. فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ، فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي. قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ : لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا...إلخ الحديث .


قال النووي رحمه الله: "وفي حديث جريج هذا فوائد كثيرة ، منها : عِظَم بر الوالدين ، وتأكُّد حق الأم ، وأنّ دعاءها مُجاب ، وأنه إذا تعارضت الأمور بُدِئ بأهمّها ، وأنّ الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبًا ، قال الله تعالى : { ومَن يتّقِ اللهَ يجعلْ له مَخرجا } ، وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادةً في أحوالهم ، وتهذيبًا لهم ، فيكون لطفًا".

شرح صحيح مسلم ١٦ / ١٠٨


وقال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله: فُتن هذا الرجل بهذه الفتنة العظيمة لكن فرَّجَ الله عنه لأنه كان متأوّلًا، أنطَقَ الله الطفل في المهد فنَجَى، فانظر في هذه القصة -سبحان الله- استجاب اللهُ دعوة الأم وأنْجَى الله هذا لأنه متقٍ لله عز وجل، وقد قال الله تعالى: {ويُنَجّي اللهُ الذين اتَّقَوْا بمفازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السوءُ ولا هُم يَحزنون}.

ينظر: شرح صحيح البخاري لابن عثيمين ٣ / ٢٣٠ ط دار الآثار