لا علاقة لصيام يوم عاشوراء بمقتل الحسين رضي الله عنه الذي صادف نفس اليوم؛ فإنّ يوم عاشوراء -كما في الأحاديث الصحيحة عن عائشة وابن عباس وغيرهما- كان معروفًا عند قريش في الجاهلية وكانوا يصومونه، ولمّا قَدِمَ النبي ﷺ المدينة ورأى اليهود يصومونه لأنه يوم نجّى اللهُ فيه موسى وقومَه وصامه موسى شكرًا لله قال (نحن أولى بموسى منهم) فصَامه وأمَرَ بصيامه، وكان النبي ﷺ في أول الأمر يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يُؤْمَر فيه بشيء، ثم في آخر الأمر كان يحب مخالفتهم، فهَمَّ بصيام التاسع مخالفةً لهم ومات قبل ذلك ﷺ.
السبت، 5 يوليو 2025
الأربعاء، 25 يونيو 2025
الغلو بآل البيت يُؤْذِيهم ولا يُرْضِيهم
الغلو بآل البيت
يُؤْذِيهم
ولا يُرضِيهم
كما قال التابعي الجليل الإمام (علي بن الحسين) المعروف بـ(زين العابدين) وهو أحد سادات آل البيت -رحمه الله-:
"أحِبُّونَا حُبَّ الإسلام، لله عزّ وجل، فإنَّهُ ما بَرِحَ بِنَا حُبُّكُم حتى صارَ علينا عَارًا !".
رواه أبو نُعَيم في الحِلْيَة ٣ / ١٣٦ بإسنادٍ صحيح.
الخميس، 5 يونيو 2025
قول الجمهور ليس بحُجّة
قال الإمام ابن القيّم ردًّا على مَن احتجَّ في مسألة بقول الجمهور:
"إنْ كان قول الجمهور في كل مسألة تنازع فيها العلماء هو الصواب، وجَبَ بطلان كل قول انفرد به أحد الأئمة عن الجمهور! ... والواجب اتّباع الدليل أين كان، ومع مَنْ كان، وهو الذي أوْجَبَ اللهُ تعالى اتّباعه، وحرَّم مخالفته، وجعله الميزان الراجح بين العلماء، فمَنْ كان من جانبه، كان أسعد بالصواب، قَلَّ مُوَافِقُوه أو كَثُرُوا".
الفروسية ص٢٣٧ - ٢٣٨
وقال العلّامة ابن عثيمين -رحمه الله-: "ما دامت المسألة ليست إجماعًا فالواجب النظر في الأدلة وإنْ قَلَّ القائل، وهذه القاعدة هامّة،
فإذا كان في المسألة إجماع فلا قولَ لأحد مع وجود الإجماع". اهـ
الشرح الممتع ١٣ / ١٩١
الأحد، 4 مايو 2025
روح المؤمن تسرح في الجنة إلى يوم القيامة
عن كعب بن مالك رضي الله عنه، عن رسول الله ﷺ قال:
"إنّمَا نسَمَةُ المؤمنِ طَيْرٌ يَعلُقُ في شَجَرِ الجنة، حتّى يَرْجِعَ إلى جَسَدِهِ يومَ يُبْعَث".
رواه ابن ماجه (٤٢٧١) وأحمد (١٥٧٧٨) وغيرهما، وصحّحه الألباني وغيره.
(نسَمَة المؤمن) أي: روحه.
(يَعلُق) أي: يأكل.
قال الإمام ابن القيّم -رحمه الله-:
"وهذا صريح في دخول الروح الجنة قبل يوم القيامة".
📚 حادي الأرواح ١ /٤٠
وقال الحافظ ابن كثير -رحمه الله-:
"فيه البشارة لكل مؤمن بأنّ روحه تكون في الجنة تسرح فيها وتأكل من ثمارها وترى ما فيها من النضرة والسرور وتشاهد ما أعَدَّهُ الله لها من الكرامة... فنسأل اللهَ الكريم المنّان أنْ يثبِّتَنا على الإيمان".
📚 تفسير القرآن العظيم ٢ / ١٦٤
الخميس، 1 مايو 2025
ليس كل من تولَّى على الناس كان من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"فليس كل مَن تولّى كان من الخلفاء الراشدين والأئمة المهديّين، فمجرد الولاية على الناس لا يُمدح بها الإنسان ولا يستحق على ذلك الثواب، وإنما يُمدح ويثاب على ما يفعله من العدل والصدق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد وإقامة الحدود".
📚 جامع المسائل ٥ / ١٤٩
الثلاثاء، 29 أبريل 2025
كتم العلم للمصلحة
قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُون} :
"إذا رأى من المصلحة ألّا يبيّن فلا بأس أن يكتم؛ كما جاء في حديث علي بن أبي طالب: (حدّثوا الناس بما يعرفون أتُحِبّون أن يكذب الله ورسوله؟!) وقال ابن مسعود: (إنك لن تحدث قوماً حديثاً لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) فإذا رأيت من المصلحة ألّا تبيّن فلا تبيّن ولا لوم عليك". اهـ
تفسير سورة البقرة ١ / ١٥٤
وقال الإمام محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد في المسائل بعد حديث معاذ في الصحيحين (لا تبشّرهم فيتّكلوا)، قال:
"السادسة عشرة: جواز كتمان العلم للمصلحة".
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح:
"كتمان العلم في بعض الأحوال، أو عن بعض الأشخاص، لا على سبيل الإطلاق، فجائز للمصلحة، كما كتم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عن بقية الصحابة؛ خشيةَ أنْ يتّكلوا عليه، وقال لمعاذ: (لا تبشّرهم فيتّكلوا)... بل قد تقتضي المصلحة ترْكَ العمل وإنْ كان فيه مصلحة لرجحان مصلحة الترك، كما هَمَّ النبي صلى الله عليه وسلم أن يهدم الكعبة ويَبْنيها على قواعد إبراهيم، ولكن ترَكَ ذلك خشية افتتان الناس لأنهم حدِيثُو عهدٍ بكُفر".
📚 القول المفيد ١ / ٥٥
وقال العلّامة صالح الفوزان كما في إعانة المستفيد بشرح كتاب التوحيد ١ / ٥٠:
"..وأخبر به معاذاً، لأن معاذاً من الجهابذة، ومن خواص العلماء، فدلَّ على أنه يجوز كتمان العلم للمصلحة، إذا كان يترتب على إيضاح بعض المسائل للناس محذور: بأن يفهموا خطأً، أو يَتَّكِلوا على ما سمعوا، فإنهم لا يُخبَرون بذلك، وإنما تلقى هذه المسائل على خواص العلماء الذين لا يُخشى منهم الوقوع في المحذور، فأخذ العلماء من هذا الحديث جواز كتمان العلم للمصلحة، وإنما أخبر معاذ رضي الله عنه بهذا الحديث عند وفاته، خشية أن يموت وعنده شيء من الأحاديث لم يبلِّغه للناس، كما في حديث علي رضي الله عنه: "حدِثوا الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذَّب الله ورسوله"، يعني: لا يُلقى على كل الناس بعض المسائل التي فيها أمور يَخفى عليهم معناها، أو تشوِّش عليهم، وإنما يُلقى على الناس ما يفهمونه، ويستفيدون منه، أما نوادر المسائل، وخواص المسائل، فهذه تلقى على طلبة العلم، والمتفقهين المتمكِّنين، وهذا من الحكمة ووضع الشيء في موضعه، لمّا تكون أمام عُصاة يشربون الخمور، ويزنون، ويسرقون، وتقول: الله غفور رحيم، الله قريب مجيب، الله سبحانه وتعالى يغفر ويسمح، فيزيدون في الشرور، لكن حين تقول لهم: اتقوا الله، الله سبحانه وتعالى توعّد الزناة بالعذاب وتوعّد على السرقة، وعلى المعاصي بالعذاب الشديد، فتذكر لهم نصوص الوعيد، من أجل التوبة، ولو أتيت عند متمسِّكين وطيبين فذكرت لهم آيات الوعيد، فهذا ربما يزيدهم وسواساً، أو تشدّداً، فأنت تذكر لهم آيات التيسير، وأحاديث التيسير، والتسهيل، والرحمة، الفرج، إلى غير ذلك، من أجل أن لا يزيدوا ويشتدوا ويغلوا، فكل مقام له مقال، وتوضع الأمور في مواضعها، هذا هو الميزان الصحيح، والناس ليسوا على حد سواء، كل يخاطب بما يستفيد منه ولا يتضرر به، فلا تأتي بآيات الوعد والرجاء عند المتساهلين، ولا تأتي بآيات الوعيد عند المتشددّين، بل تكون كالطبيب تضع الدواء في موضعه المناسب، هكذا يكون طالب العلم، إذا كانت هناك أمور غامضة لا يعرفها العوام، ولا تتسع لها عقولهم، من المسائل العلمية، فلا تُلقى على العوام، وإنما تُلقى على طلبة العلم، وعلى الناس الذين يستوعبونها، ولهذا يقول ابن مسعود: "ما أنت بمحدث قوماً بحديث لا تبلغه عقولهم إلاَّ كان لبعضهم فتنة" وقال علي رضي الله عنه: "حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون أن يكذب الله ورسوله".". اهـ
الأربعاء، 23 أبريل 2025
فائدة مهمة جدًّا لطلاب العلم
عن عليٍّ رضي الله عنه قال: "حَدِّثُوا النَّاسَ بِمَا يَعْرِفُونَ أَتُحِبُّونَ أَنْ يُكَذَّبَ اللهُ وَرَسُولُهُ؟!".
رواه البخاري في صحيحه.
قال العلّامة صالح الفوزان -حفظه الله-:
"يخاطِب العلماء، ويقول لهم: (حدِّثوا النّاس بما يعرفون) أي: تكلّموا عندهم بما يعرفون، أي: بما لا تَستنكِرُه عقولهم، بل حدِّثوهم بما تتحمّله عقولهم، وتُدرِكُه أفهامُهم، ولا تُسْمِعُوهم شيئاً لا يَفهمون معناه أو يجهلونه فيُبَادِرُون إلى تكذيبه فتُوقِعُونهم في الحَرَج.
وكأنّه قال هذه المقالة لَمّا كَثُر القُصّاص في وقته، وهم: الوُعّاظ. والوُعّاظ يحرِصون على أنْ يخوِّفوا الناس، فيَذْكُرون لهم كلّ ما قرأوا أو سمِعُوا من الأخبار والأحاديث، سواءً كانت صحيحة أو غير صحيحة، وسواء كان النّاس يفهمونها أو لا يفهمونها، وهذا أمرٌ لا يجوز.
فالحاضرون يحدَّثون بما تتحمّلُه عقولهم، ربما ينفعُهم، أمّا ذِكر الأشياء التي تشوِّش عليهم -وقد تحمِل بعضَهم على التكذيب- فهذا أمرٌ محرَّم، فينبغي للقاص والواعظ والخطيب والمتحدِّث أنْ يراعِيَ أحوال السامعين، فيتكلّم معهم بما يُناسِب حالهم: إنْ كان يتكلّم في وسط علماء يتكلّم بالكلام اللاّئق بأهل العلم، وإن كان يتكلّم في وسط عوام فيتكلّم بما يناسبهم وبما تتحملّه عقولهم، ويحرص على ما ينفعهم أيضاً، ويعلِّمهم أُمور دينهم: أمور عقيدتهم وصلاتهم، وأُمور عبادتهم، ويحذّرهم من المعاصي ومن المحرّمات، ولا يدخُل في المواضيع العلميّة البعيدة عن أفهام العوامّ.
وهذه حكمةٌ عظيمة من أمير المؤمنين رضي الله عنه: أنه أمَرَ أن يُراعَى أحوال الحاضرين وأحوال السّامعين، فيحدَّثون بما يتناسب مع مستواهم العلميّ.
ويا ليت المتحدِّثين في وقتنا هذا والخُطباء يمشون على هذا النّظام وهذه القاعدة التي قالها أميرُ المؤمنين عليّ بن أبي طالب.
فهذه قاعدة للمتحدِّثين في كل وقت: أنّ المتحدِّث يراعِي أحوالَ السّامعين: إنْ كان في وسطٍ علمي يتحدّث بما يناسِبه، وإن كان في وسط عامِّي يتحدّث بما يناسبه، وإنْ كان في وسط مختَلِط من العلماء ومن الجُهّال ومن العوام فإنه يلاحظ الواقع، فيتحدّث بحديث يستفيدُ منه الحاضرون ويفْهمونه من أمور دينهم، ويدرَّسون العقائد والعلوم شيئاً فشيئاً حتى تتسع لها عقولهم، وتتقبلها أفهامهم".
📚 إعانة المستفيد ٢ / ١٤٢ - ١٤٣
الأربعاء، 16 أبريل 2025
الحذر من اعتياد الانتقام وعدم الصبر على الظلم
قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-:
"مَنِ اعتادَ الانتقام ولم يَصبِر لابُد أنْ يقع في الظلم؛ فإنّ النفس لا تقتصر على قَدْر العدل الواجب لها، لا عِلمًا ولا إرادة، وربما عجزت عن الاقتصار على قدر الحق؛ فإنّ الغضبَ يَخرُجُ بصاحبه إلى حدٍّ لا يَعقِلُ ما يقول وما يفعل، فبينما هو مظلوم ينتظر النصر والعِز، إذِ انقلَبَ ظالمًا ينتظر المَقت والعقوبة!".
قاعدة في الصبر ص١٠٢
الجمعة، 4 أبريل 2025
(ما في قلب أخيك لك مثل الذي في قلبك له) أثر ضعيف سندًا ومتنًا
أثر ابن مسعود: (لا تسأل الرجل عما في قلبه لك، ولكن انظر ما في قلبك له، فإن لك في قلبه مثل ذلك)
رواه البيهقي (٨٦٢٣) بسند منقطع عن ابن مسعود
والواقع يشهد بأن هناك كما يقال حبًّا من طرف واحد
بل وقد يفتح باب شر وذلك إذا وسوس الشيطان للإنسان وأوقع في نفسه شرًّا على أخيه ظنَّ الإنسان بأن ما في قلب أخيه مثل الذي في قلبه!
فالمتن فيه نكارة والسند ضعيف
والله أعلم
الثلاثاء، 1 أبريل 2025
حب الظهور داء قاتل
قال العلّامة الألباني -رحمه الله-: "من الأخلاق الأساسية التي يجب أنْ يتّصف بها الداعية المسلم: التواضع والبُعد عن حب الظهور والتفاخر والادّعاء؛ فإنّ هذه أدواء قاتلة تجرّد الساعي إليها والحريص عليها من أهلية الدعوة، وتُفْقِدُه سلاحًا ماضِيًا للنصر على أعدائها، وتجعل عمله هباءً منثورًا، والعياذ بالله، فاللهم عِصمتك وهُداك".
📚 التوسل أنواعه وأحكامه ص٩١
الجمعة، 21 مارس 2025
جواز وعدم كراهة مخالفة ترتيب السور في المصحف في القراءة في الصلاة
جواز وعدم كراهة مخالفة ترتيب السور في المصحف في القراءة في الصلاة
روى مسلم في صحيحه (٧٧٢) وغيره، عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذاتَ ليلة فقرأ في ركعة البقرة ثم النساء ثم آل عمران.
قال السندي في حاشيته على سنن النسائي: "مقتضاه عدم لزوم الترتيب بين السور في القراءة" .
وقال العلامة الأثيوبي في البحر المحيط الثجاج ١٦ / ١١٧: "ما ثبت من قراءته -صلى الله عليه وسلم- "النساء" قبل "آل عمران"، ونحو ذلك فيُحمَلُ على بيان الجواز، وأن الترتيب في القراءة غير لازم، بل في الرسم والكتابة فقط، فيجوز أن يقرأ بالسورة قبل التي قبلها في الرسم".
وقال العلامة ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على صحيح مسلم، الشريط ٨ أ: "وفيه من الفوائد أنه يجوز للإنسان أن يعكس ترتيب السور لأن النبي صلى الله عليه وسلّم بدأ بالنساء قبل آل عمران وهذا دليل على جواز مخالفة الترتيب في المصحف -إلى أن قال:- أمّا أن نقطع بالكراهة ففي النفس من هذا شيء، لأن الكراهة تحتاج إلى دليل".
وروى الطحاوي في شرح معاني الآثار (١٠٠٨) عن عبد الله بن شقيق، قال صلى بنا الأحنف بن قيس صلاة الصبح بعاقول الكوفة، فقرأ في الركعة الأولى "الكهف"، وفي الثانية بسورة "يوسف" قال: وصلى بنا عمر رضي الله عنه صلاة الصبح فقرأ بهما فيهما.
وإسناده صحيح
وذكره البخاري في صحيحه تعليقًا استدلالًا به على تقديم سورة على سورة على ما في ترتيب المصحف
قال الحافظ ابن رجب في فتحه ٧ / ٦٨: "هذا يدل على أنه لا يكره قراءة القرآن على غير ترتيب المصحف، فيقرأ في الركعة الأولى سورة، وفي الثانية بسورة قبلها في ترتيب المصحف".
وقال النووي رحمه الله في التبيان ص٩٩: "ولو خالف الموالاة فقرأ سورة لا تلي الأولى أو خالف الترتيب فقرأ سورة ثم قرأ سورة قبلها جاز فقد جاء بذلك آثار كثيرة وقد قرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الركعة الأولى من الصبح بالكهف وفي الثانية بيوسف، وقد كره جماعة مخالفة ترتيب المصحف". اهـ
وقد تبيَّنَ فيما سبق بأن الصحيح أنه لا كراهة في ذلك.
الخميس، 20 مارس 2025
السنّة التماس ليلة القدر في جميع العشر الأواخر، وبيانُ أنها ليلة متنقلة في العشر
السنّة التماس ليلة القدر في جميع العشر الأواخر، وبيانُ أنها ليلة متنقلة في العشر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين نبيّنا محمد وعلى آله أمّا بعد،
فإنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -كما في الصحيحين- كان يعتكف في العشر الأواخر من رمضان إلى أن توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده.
وذلك التماسًا لليلة القدر التي هي {خيرٌ من ألف شهر} والتي {فيها يُفْرَقُ كلُّ أمرٍ حكيم} أي يُقْضَى فيها ما يكون من السَنَة إلى السَنَة، كما صحّ عن التابعي المفسر قتادة، وهي (ليلة الحكم) كما صحّ عن الإمام المفسر مجاهد بن جَبْر، قال الإمام الطبري في تفسيره ٢٤ / ٥٤٢: "وهي ليلة الحكم التي يَقضِي اللهُ فيها قضاء السَنَة". اهـ
وليست ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من العشر الأواخر، بل هي متنقلة في العشر كما دل عليه مجموع ما جاء فيها من الأحاديث الصحيحة والآثار.
ولو كانت ثابتة في ليلة واحدة لَمَا اعتكف النبي صلى الله عليه وسلم وأزواجه من بعده، بل لأخبر الأمة وأرَاحَها بذلك كما كان صلى الله عليه وسلم يخبرهم بها في بعض السنين، ويخبرهم عن علامات لها، وكما خرج في يوم ليخبرهم بها فتخَاصَمَ رجلان فرُفِعَت فلم يخبرهم. [رواه البخاري (٢٠٢٣)]
فما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من تعيين لِلَيْلة القدر أو إخبار بعلَامات لها إنما هو خاص بتلك السنين التي أخبرهم فيها بها، وليس عامًّا لكل الرمضانات، كما قرّر ذلك الألوسي في تفسيره ١٥ / ٤١٤
فقد جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم أخبر أصحابه أنه أُرِيَ ليلة القدر وأنه رأى أنه يسجد في ماء وطين، وكان ذلك ليلة إحدى وعشرين.
فهذا كان خاصًا بتلك السَنَة.
وروى مسلم في صحيحه (١١٦٨) من حديث عبد الله بن أُنَيس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى أنه يسجد في صبحها في ماء وطين، وكان المطر ليلة ثلاث وعشرين، وكان عبد الله بن أنيس رضي الله عنه يقول: ثلاث وعشرين.
وهذا خاص بتلك السَنَة أيضًا.
وجاء في صحيح مسلم (٧٦٢) عن أُبَي بن كعب رضي الله عنه أنه كان يقول أنها ليلة سبع وعشرين ويحلف على ذلك، فسُئل عن حُجّته في ذلك فقال: (بالعَلَامَةِ أو بالآيَةِ التي أَخْبَرَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أَنَّهَا تَطْلُعُ يَوْمَئِذٍ لَا شُعَاعَ لَهَا) يعني الشمس.
وهذا أيضًا خاص بتلك السنة، فإنّ هذه العلَامة ليست مطّردة في كل عام. [يُنظر: إكمال المُعْلِم، للقاضي عِيَاض، ٣ / ١١٦ وتفسير الألوسي ١٥ / ٤١٤]
وفي الصحيحين عن ابن عمر أنّ رجالًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أُرُوا ليلةَ القدر في المنام في السبع الأواخر فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أرى رُؤْيَاكُم قد تواطأت في السبع الأواخِر فمن كان مُتَحَرِّيها فلْيَتَحَرّها في السبع الأواخر).
وهذا خاص أيضًا بتلك السَنَة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في التعليق على الكافي: "هذا الحديث خاص بتلك السنة فقط، أمّا في عموم السنوات فهي من ليلة إحدى وعشرين إلى آخر الشهر، كل هذه الليالي تتحرَّى فيها، والدليل على هذا أنّ النبي عليه الصلاة والسلام بقي يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى مات، ولو كانت انحصرت في السبع الأواخر ما كلّف الأمة ولا كلّف نفسه أنْ يعتكف جميع العشر". اهـ
وقد تقدّم ما جاء في الصحيحين من حديث أبي سعيد بأنها كانت في عامٍ ليلة إحدى وعشرين.
فالخلاصة: ليلة القدر متنقلة في العشر، فمن قام العشر قام ليلة القدر بلا ريب، ولكن هناك ليالٍ هي أرجَى من غيرها وأكثر مصادفة لليلة القدر لها، مثل ليلة سبع وعشرين. [ينظر: مجموع الفتاوى لابن تيمية ٢٥ / ٢٨٥]
وقد قال الإمام ابن خُزَيمة في صحيحه: "باب الأمر بطلب ليلة القدر آخِر ليلة من رمضان إذْ جائز أنْ يكون في بعض السنين تلك الليلة".
وروَى بإسناده عن معاوية رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(التَمِسُوا ليلةَ القَدْرِ في آخِرِ ليلةٍ)
والحديث صحّحه الألباني في السلسلة الصحيحة (١٤٧١) وذَكَر له شاهدًا صحيحًا وهو ما رواه التِّرمِذي (٧٩٤) وغيره وصحّحه الترمذي والألباني وغيرهما عن عبد الرحمن بن جَوْشَن قال:
ذُكِرَت ليلةُ القدر عند أبي بَكْرَةَ -رضي الله عنه- فقال: ما أنا مُلتَمِسُها لشيءٍ سمعته من رسول الله ﷺ إلّا في العشر الأواخر، فإني سمعته يقول:
(التَمِسُوها في تِسعٍ يَبْقَين، أو في سبعٍ يبقين، أو في خمسٍ يبقين، أو في ثلاث، أو آخر ليلة)
وكان أبو بكرة يصلّي في العشرين من رمضان كصلاته في سائر السَّنَة، فإذا دخل العشر اجتهَد.
وقد لخص التابعيُّ الجليل الإمام تلميذ الصحابة أبو قِلَابةَ الجَرْمِي -رحمه الله- ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة في ذلك بقوله: "ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر". رواه الترمذي (٧٩٢) بسند صحيح، وصحّحه الألباني.
فمن أراد السنّة فليجتهد في العشر الأواخر كلها كما كان حال النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن توفّاهُ الله عز وجل.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على طاعته وأن لا يحرمنا خير هذه الليلة المباركة العظيمة. والحمد لله رب العالمين
الخميس، 13 مارس 2025
من مفاسد (القرقيعان)
من مفاسد (القرقيعان)
-ارتباطه ببعض الفِرَق ومولد الحسن كما يدّعون وارتباطه بشهر رمضان فليس هو عادَة مَحضة
-المعازف واللهو والتبرج في أيام وليالي شهر الصيام والقيام والعتق من النيران
-الإسراف والتبذير والتفاخر بين النساء
-تربية الأطفال على التسول المذموم شرعًا
-تضرر الأطفال بالإكثار من أكل الحلويات وكثير منها رديء ويحتوي على مواد ضارة
*وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (١٥٥٣٢) برئاسة الشيخ ابن باز وعضوية الشيخ ابن غديّان والشيخ صالح الفوزان وغيرهما ما نصّه:
"الاحتفال في ليلة الخامس عشر من رمضان أو في غيرها بمناسبة ما يسمى مهرجان القريقعان: بدعة لا أصل لها في الإسلام، (وكل بدعةٍ ضلالة)، فيجب تركها والتحذير منها، ولا تجوز إقامتها في أيّ مكان، لا في المدارس ولا في المؤسسات أو غيرها، والمشروع في ليالي رمضان بعدَ العناية بالفرائض: الاجتهاد بالقيام وتلاوة القرآن والدعاء".
الثلاثاء، 28 يناير 2025
الإسلام أن يُسْلِم قلبك لله ويَسلم منك كل مسلم وكل ذي عهد
عن التابعي الجليل الحسن البصري -رحمه الله- قال:
"الإسلام أن يُسْلِمَ قلبُكَ لله، وأنْ يَسْلَمَ منك كل مسلم وكل ذِي عهد".
رواه ابن أبي شَيْبة (٣٥٥٨١) بسند صحيح.
➖ذو العهد: هو الكافر الذي له مع المسلمين عهد، سواء كان العهد بعقد جزية، أو هدنة من ولي الأمر، أو أمان من مسلم.
يُنظر: تحفة الأحوذي ٤ / ٥٤٨
الأحد، 12 يناير 2025
التحذير من الاجتهاد والقياس قبل التأهل، وأهمية الرجوع إلى أهل العلم
[ التحذير من الاجتهاد والقياس قبل التأهل، وأهمية الرجوع إلى أهل العلم ]
قال رجل: (لَوْ قَدْ مَاتَ عُمَرُ، لَقَدْ بَايَعْتُ فُلَانًا، فَوَاللهِ مَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فَلْتَةً فَتَمَّتْ).
يعني أنه إذا مات الخليفة عمر سيسارع إلى مبايعة فلان لأن بيعة أبي بكر كانت فلتة أي: فجأة وبغتة.
فاستنكر عمر رضي الله عنه قول الرجل وخطب وقال: (بَلَغَنِي أَنَّ قَائِلًا مِنْكُمْ يَقُولُ : وَاللَّهِ لَوْ مَاتَ عُمَرُ بَايَعْتُ فُلَانًا. فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ : إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً وَتَمَّتْ. أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ مِنْكُمْ مَنْ تُقْطَعُ الْأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُبَايَعُ هُوَ وَلَا الَّذِي بَايَعَهُ، تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلَا).
رواه البخاري في صحيحه (٦٨٣٠).
قال الحافظ ابن حجر: "وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى التَّحْذِيرِ مِنَ الْمُسَارَعَةِ إِلَى مِثْلِ ذَلِكَ -يعني: المبايعة- حَيْثُ لَا يَكُونُ هُنَاكَ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ لِمَا اجْتَمَعَ فِيهِ مِنَ الصِّفَاتِ الْمَحْمُودَةِ مِنْ قِيَامِهِ فِي أَمْرِ اللهِ وَلِينِ جَانِبِهِ لِلْمُسْلِمِينَ وَحُسْنِ خُلُقِهِ وَمَعْرِفَتِهِ بِالسِّيَاسَةِ وَوَرَعِهِ التَّامِّ مِمَّنْ لَا يُوجَدُ فِيهِ مِثْلُ صِفَاتِهِ لَا يُؤْمَنُ مِنْ مُبَايَعَتِهِ عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ الِاخْتِلَافُ الَّذِي يَنْشَأُ عَنْهُ الشَّرُّ".
وقال نقلًا عن المهلب:
"فَقَاسَ -أي: الرجل- مَا أَرَادَ أَنْ يَقَعَ لَهُ بِمَا وَقَعَ فِي قِصَّةِ أَبِي بَكْرٍ، فَأَخْطَأَ الْقِيَاسَ، لِوُجُودِ الْفَارِقِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَنْهُ وَيَعْمَلَ بِمَا يَدُلُّونَهُ عَلَيْهِ".
فتح الباري ١٢ / ١٥٠ و ١٥٥
السبت، 4 يناير 2025
من حرَّمَ شيئًا من العادات بدون دليل فهو مبتدع
قال الإمام السعدي -رحمه الله-:
"وأمّا العادات كلها كالمآكِل والمشارب والملابس والأعمال العادية والمعاملات والصنائع، فالأصل فيها الإباحة والإطلاق.
فمن حرَّمَ شيئًا منها لم يحرّمه اللهُ ولا رسولُه فهو مبتدع، كما حرَّم المشركون بعض الأنعام التي أباحها الله ورسوله".
📚 القواعد والأصول الجامعة مع تعليق ابن عثيمين ص٨٦