السبت، 11 ديسمبر 2021

قد يُبتلى الصادق بسبب اجتهاده الخاطئ


في الصحيحين من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : " لَمْ يَتَكَلَّمْ فِي الْمَهْدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ، وَكَانَ جُرَيْجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً [وهي بيت للعبادة]، فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَانْصَرَفَتْ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ أَتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ. فَقَالَ : أَيْ رَبِّ، أُمِّي وَصَلَاتِي. فَأَقْبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ، فَقَالَتِ : اللَّهُمَّ لَا تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ الْمُومِسَاتِ [أي: الزانيات]. فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ جُرَيْجًا وَعِبَادَتَهُ، وَكَانَتِ امْرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسْنِهَا، فَقَالَتْ : إِنْ شِئْتُمْ لَأَفْتِنَنَّهُ لَكُمْ. قَالَ : فَتَعَرَّضَتْ لَهُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا، فَأَتَتْ رَاعِيًا كَانَ يَأْوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَوَقَعَ عَلَيْهَا فَحَمَلَتْ، فَلَمَّا وَلَدَتْ قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُرَيْجٍ. فَأَتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ، فَقَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بِهَذِهِ الْبَغِيِّ، فَوَلَدَتْ مِنْكَ. فَقَالَ : أَيْنَ الصَّبِيُّ ؟ فَجَاءُوا بِهِ، فَقَالَ : دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ. فَصَلَّى، فَلَمَّا انْصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ، فَطَعَنَ فِي بَطْنِهِ وَقَالَ : يَا غُلَامُ، مَنْ أَبُوكَ ؟ قَالَ : فُلَانٌ الرَّاعِي. قَالَ : فَأَقْبَلُوا عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَبٍ. قَالَ : لَا، أَعِيدُوهَا مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ. فَفَعَلُوا...إلخ الحديث .


قال النووي رحمه الله: "وفي حديث جريج هذا فوائد كثيرة ، منها : عِظَم بر الوالدين ، وتأكُّد حق الأم ، وأنّ دعاءها مُجاب ، وأنه إذا تعارضت الأمور بُدِئ بأهمّها ، وأنّ الله تعالى يجعل لأوليائه مخارج عند ابتلائهم بالشدائد غالبًا ، قال الله تعالى : { ومَن يتّقِ اللهَ يجعلْ له مَخرجا } ، وقد يجري عليهم الشدائد بعض الأوقات زيادةً في أحوالهم ، وتهذيبًا لهم ، فيكون لطفًا".

شرح صحيح مسلم ١٦ / ١٠٨


وقال العلّامة ابن عثيمين رحمه الله: فُتن هذا الرجل بهذه الفتنة العظيمة لكن فرَّجَ الله عنه لأنه كان متأوّلًا، أنطَقَ الله الطفل في المهد فنَجَى، فانظر في هذه القصة -سبحان الله- استجاب اللهُ دعوة الأم وأنْجَى الله هذا لأنه متقٍ لله عز وجل، وقد قال الله تعالى: {ويُنَجّي اللهُ الذين اتَّقَوْا بمفازَتِهِم لا يَمَسُّهُمُ السوءُ ولا هُم يَحزنون}.

ينظر: شرح صحيح البخاري لابن عثيمين ٣ / ٢٣٠ ط دار الآثار

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.