السبت، 14 مايو 2016

فائدة مهمّة في التحذير من الانبهار بما وصل إليه الكفار من علوم الدنيا

قال العلّامة الجليل محمد الأمين الشنقيطي -رحمه الله- في تفسير قوله تعالى:

{...وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون}
سورة الروم ٦-٧

"اِعلَم أنه يجب على كل مسلم في هذا الزمان أنْ يتدبّر آية «الروم» هذه تدَبُّرًا كثيرًا، ويبيّن ما دَلَّتْ عليه لكل مَنْ استطاع بيانه له من الناس.

وإيضاحُ ذلك:

أنّ مِنْ أَعظم فِتَن آخر الزمان التي ابْتَلَى اللهُ بها ضِعَاف العقول من المسلمين: شدّة إِتْقَان الإفرنج لأعمال الحياة الدنيا، ومهارتهم فيها على كثرتها، واختلاف أنواعها مع عَجْز المسلمين عن ذلك،

فظنُّوا أنّ مَنْ قَدَرَ على تلك الأعمال أنه على الحق، وأنّ من عجز عنها متخلِّفٌ وليس على الحق،

وهذا جهلٌ فاحش، وغَلَطٌ فادح.

وفي هذه الآية الكريمة إيضاحٌ لهذه الفتنة وتخفيفٌ لِشَأْنِها أَنزَلَه اللهُ في كتابه قبل وقوعها بأزمانٍ كثيرة، فسُبحانَ الحكيم الخبير ما أَعْلَمه، وما أَعظمه، وما أَحْسَن تعليمه.

فقد أَوضَح جَلَّ وعَلا في هذه الآية الكريمة أنّ أكثر الناس لا يَعلمون، ويَدخُل فيهم أصحاب هذه العلوم الدنيوية دُخولًا أوّلِيًّا،

فقد نَفَى عنهم جَلَّ وعلا اسم العِلْم بمعناه الصحيح الكامل، لأنهم لا يَعْلمون شيئًا عمَّنْ خَلَقَهُم، فأَبْرَزَهُم مِنَ العَدَم إلى الوجود، ورزقهم، وسوف يُميتهم، ثم يُحييهم، ثم يُجازيهم على أعمالهم، ولم يَعْلموا شيئًا عن مصيرهم الأخير الذي يُقيمون فيه إقامةً أَبَديّةً في عذابٍ فظيعٍ دائم، ومَنْ غَفَلَ عن جميع هذا فليس معدودًا مِنْ جنسِ مَنْ يَعْلَم". اهـ

➖وقال أيضًا -رحمه اللهُ تعالى-:

"واعلَم أنّ المسلمين يجب عليهم تعَلُّم هذه العلوم الدنيوية، كما أوضحنا ذلك غايةَ الإِيضاح في سورة «مريم» في الكلام على قوله تعالى: {أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا}، وهذه العلوم الدنيوية التي بَيَّنّا حقارتها بالنسبة إلى ما غَفَلَ عنه أصحابُها الكُفّار: إذا تَعَلَّمها المسلمون، وكان كُلٌّ مِنْ تَعليمها واستعمالها مطابقًا لِمَا أَمَرَ اللهُ به على لسان نبيِّه -صلى اللهُ عليه وسلم- كانت مِنْ أشرف العلوم وأَنْفَعها؛

لأنها يُستَعانُ بها على إعلاءِ كلمةِ الله ومَرْضاته جَلَّ وعلا، وإصلاح الدنيا والآخرة، فلا عيبَ فيها إذن، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّة}، فالعمل في إعداد المُستطاع من القوة امتثالًا لأمْرِ الله تعالى وسعْيًا في مرضاته وإعلاء كلمته ليس مِنْ جنسِ عِلْمِ الكفار الغافلين عن الآخرة كما تَرى، والآيات بمثلِ ذلك كثيرة، والعلمُ عند الله تعالى". اهـ

📚 تفسير أضواء البيان ٦ / ١٦٦ - ١٦٧

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.